التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
٥
وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ
٦
-الذاريات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } قال أبو بكر الأنباري: حدّثنا عبد الله بن ناجية، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا مكي بن إبراهيم، حدّثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب ابن يزيد أن رجلاً قال لعمر رضي الله عنه: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن، فقال عمر: اللهم أمكني منه؛ فدخل الرجل على عمر يوماً وهو لابس ثياباً وعمامة وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلِده، ثم قال: ألبسوه ثيابه وٱحملوه على قَتَب وأبلغوا به حَيَّه، ثم ليقم خطيباً فليقل: إن صَبِيغاً طلب العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم. وعن عامر بن واثلة أن ٱبن الكوّاء سأل علياً رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ما { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } (قال): ويلك سَلْ تَفَقُّهاً ولا تسأل تَعَنُّتاً { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } الرياح { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } السحاب { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } السفن { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } الملائكة. وروى الحرث عن علي رضي الله عنه { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } قال: الرياح { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } قال: السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } قال: السفن موقرة { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } قال: الملائكة تأتي بأمر مختلف؛ جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت. وقال الفراء: وقيل تأتي بأمر مختلف من الخِصب والجَدْب والمطر والموت والحوادث. ويقال: ذَرَتِ الرِّيحُ الترابَ تَذْرُوه ذَرْواً وتَذْرِيهِ ذَرْياً. ثم قيل: «وَالذَّارِيَاتِ» وما بعده أقسام، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفاً. وقيل: المعنى ورب الذارياتِ، والجواب { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب { لَصَادِقٌ } لا كذب فيه؛ ومعنى «لَصَادِقٌ» لصدق؛ وقع الاسم موقع المصدر. { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } يعني: الجزاء نازل بكم. ثم ٱبتدأ قسماً آخر فقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } وقيل: إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهنّ ذرو الخلق؛ لأنهنّ يذرين الأولاد فصرن ذاريات؛ وأقسم بهنّ لما في ترائبهنّ من خيرة عباده الصالحين. وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذارياً لأمرين: أحدهما لأنهن أوعية دون الرجال، فلاجتماع الذّروين فيهنّ خصصن بالذكر. الثاني ـ أن الذّرو فيهنّ أطول زماناً، وهنّ بالمباشرة أقرب عهداً. { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } السحابّ وقيل: الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل. والوِقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن، يقال: جاء يحمل وِقره وقد أوقر بعيرَه. وأكثر ما يستعمل الوِقر في حمل البغل والحمار، والوَسْق في حمل البعير. وهذه ٱمرأة مُوقَرة بفتح القاف إذا حملت حملاً ثقيلاً. وأوقرت النخلة كثر حَمْلُها؛ يقال: نخلة مُوقِرة وموقِر ومُوقَرة، وحكي مُوقَر وهو على غير القياس، لأن الفعل للنخلة. وإنما قيل: مُوقِر بكسر القاف على قياس قولك ٱمرأة حامل، لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء؛ فأما مُوقَر بالفتح فشاذ، وقد روي في قول لبِيد يصف نخيلاً

عَصَبٌ كَوارِعُ في خليج مُحَلِّمٍحَمَلتْ فمنها موقَرٌ مَكْمُومُ

والجمع مواقِر. فأما الوَقْر بالفتح فهو ثقل الأذن، وقد وقرت أذنه تَوْقر وَقْراً أي صَمَّت، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدّم في «الأنعام» القول فيه. { فَٱلْجَـٰرِيَـٰتِ يُسْراً } السفن تجري بالرياح يسراً إلى حيث سيرت. وقيل: السحاب؛ وفي جريها يسراً على هذا القول وجهان: أحدهما ـ إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع. الثاني ـ هو سهولة تسييرها؛ وذلك معروف عند العرب، كما قال الأعشى:

كأنّ مِشْيَتَها مِنْ بيتِ جارتهامَشْيُ السَّحَابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ