التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٤
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٢٥
فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
٢٦
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ
٢٧
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ
٢٨
-الذاريات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ليبين بها أنه أهلك المكذب بآياته كما فعل بقوم لوط. «هَلْ أَتَاكَ» أي ألم يأتك. وقيل: «هَلْ» بمعنى قد؛ كقوله تعالى: { { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } [الإنسان: 1]. وقد مضى الكلام في ضيف إبراهيم في «هود» «والحجر». «الْمُكْرَمِينَ» أي عند الله؛ دليله قوله تعالى: { { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] قال ٱبن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل ـ زاد عثمان بن حَصِين ـ ورفائيل عليه الصلاة والسلام. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه تسعة. وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملَك آخر. قال ٱبن عباس: سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين. وقال مجاهد: سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه. قال عبد الوهاب: قال لي علي بن عياض: عندي هريسة ما رأيك فيها؟ قلت: ما أحسن رأيي فيها؛ قال: ٱمض بنا؛ فدخلت الدار فنادى الغلام فإذا هو غائب، فما راعني إلا به ومعه القُمْقُمة والطَّسْت وعلى عاتقه المِنْدِيل، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لو علمتُ يا أبا الحسن أن الأمر هكذا؛ قال: هَوِّن عليك فإنك عندنا مُكرَم، والمُكرم إنما يُخدم بالنفس؛ ٱنظر إلى قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ }.

قوله تعالى: { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً } تقدّم في«الحجر». { قَالَ سَلاَمٌ } أي عليكم سلام. ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردّي لكم سلام. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً «سِلْمٌ» بكسر السين.{ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي أنتم قوم منكرون؛ أي غرباء لا نعرفكم. وقيل: لأنه رآهم على غير صورة البشر، وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم، فقال: { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }. وقيل: أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير ٱستئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض. وقيل: خافهم؛ يقال: أنكرته إذا خفته، قال الشاعر:

فَأَنْكَرَتْنِي وما كان الذي نَكِرَتْمِنَ الحوادِثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا

قوله تعالى: { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ } قال الزجاج: أي عدل إلى أهله. وقد مضى في «والصافات». ويقال: أراغ وٱرتاغ بمعنى طلب، وماذا تُرِيغ أي تريد وتطلب، وأراغ إلى كذا أي مال إليه سرًّا وحاد، فعلى هذا يكون راغ وأراغ لغتين بمعنى. { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } أي جاء ضيفه بعجل قد شواه لهم كان في «هود»: { { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [هود: 69]. ويقال: إن إبراهيم ٱنطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه، لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام.

قوله تعالى: { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } يعني العجل. { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } قال قتادة: كان عامّة مالِ إبراهيم البقر، وٱختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم. وقيل: العِجل في بعض اللغات الشاة. ذكره القشيري. وفي الصحاح: العِجل ولد البقرة والعِجَّوْل مثله والجمع العَجاجيل والأنثى عِجْلة، عن أبي الجراح، وبقرة مُعْجِل ذات عِجْل، وعِجْل قبيلة من ربيعة.

قوله تعالى: { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أي أحَسَّ منهم في نفسه خوفاً. وقيل: أضمر لما لم يتَحرَّموا بطعامه. ومن أخلاق الناس: أن من تَحرَّم بطعام إنسان أمنه. وقال عمرو بن دينار: قالت الملائكة لا نأكل إلا بالثمن. قال كلوا وأدّوا ثمنه. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تسمُّون الله إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: لهذا ٱتخذك الله خليلاً. وقد تقدّم هذا في «هود». ولما رأوا ما بإبراهيم من الخوف { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } وأعلموه أنهم ملائكة الله ورسله. { وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ } أي بولد يولد له من سارة زوجته. وقيل: لما أخبروه أنهم ملائكة لم يصدّقهم، فدعوا الله فأحيا العجل الذي قرّبه إليهم. وروى عون بن أبي شدّاد: أن جبريل مسح العجل بجناحه، فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار. ومعنى «عَلِيمٍ» أي يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله وبدينه. والجمهور على أن المبشَّر به هو إسحاق. وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل وليس بشيء فإن الله تعالى يقول: { { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } [الصافات: 112]. وهذا نص.