التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٣١
قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٣٢
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ
٣٣
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ
٣٤
فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٣٥
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٦
وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٣٧
-الذاريات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } لما تيقن إبراهيم عليه السلام أنهم ملائكة بإحياء العجل والبشارة قال لهم: { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي ما شأنكم وقصتكم { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } يريد قوم لوط. { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } أي لنرجمهم بها. { مُّسَوَّمَةً } أي مُعَلَّمةً. قيل: كانت مخططة بسواد وبياض. وقيل: بسواد وحُمرة. وقيل: «مُسَوَّمةً» أي معروفة بأنها حجارة العذاب. وقيل: على كل حجر ٱسم من يهلك به. وقيل: عليها أمثال الخواتيم. وقد مضى هذا كله في «هود». فجعلت الحجارة تتبع مسافريهم وشُذَّاذهم فلم يفلت منهم مخبر. { عِندَ رَبِّكَ } أي عند الله وقد أعدّها لرجم من قضى برجمه. ثم قيل: كانت مطبوخة طبخ الآجر، قاله ٱبن زيد؛ وهو معنى قوله تعالى: { بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } على ما تقدّم بيانه في «هود». وقيل: هي الحجارة التي نراها وأصلها طين، وإنما تصير حجارة بإحراق الشمس إياها على مر الدهور. وإنما قال: «مِنْ طِينٍ» ليعلم أنها ليست حجارة الماء التي هي البَرَد. حكاه القشيري.

قوله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قومه من المؤمنين؛ لئلا يهلك المؤمنون، وذلك قوله تعالى: { { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } [هود: 81]. { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يعني لوطاً وبنتيه وفيه إضمار؛ أي فما وجدنا فيها غير أهل بيت. وقد يقال بيت شريف يراد به الأهل. وقوله: «فِيهَا» كناية عن القرية ولم يتقدّم لها ذكر؛ لأن المعنى مفهوم. وأيضاً فقوله تعالى: { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } يدل على القرية؛ لأن القوم إنما يسكنون قرية. وقيل: الضمير فيها للجماعة. والمؤمنون والمسلمون هاهنا سواء فجنّس اللفظ لئلا يتكرر، كما قال: { { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } [يوسف: 86]. وقيل: الإيمان تصديق القلب، والإسلام الانقياد بالظاهر، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً. فسماهم في الآية الأولى مؤمنين؛ لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. وقد مضى الكلام في هذا المعنى في «البقرة» وغيرها. وقوله: { { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } [الحجرات: 14] يدل على الفرق بين الإيمان والإسلام وهو مقتضى حديث جبريل عليه السلام في صحيح مسلم وغيره. وقد بيناه في غير موضع.

قوله تعالى: { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } أي عبرة وعلامة لأهل ذلك الزمان ومن بعدهم؛ نظيره: { { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [العنكبوت: 35]. ثم قيل: الآية المتروكة نفس القرية الخِربة. وقيل: الحجارة المنضودة التي رُجِموا بها هي الآية. { لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ } لأنهم المنتفعون.