التفاسير

< >
عرض

فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٥٢
أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٥٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ
٥٤
وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥٥
-الذاريات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } لما تقدّم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم؛ لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد؛ أي قل لقومك: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي فِرّوا من معاصيه إلى طاعته. وقال ٱبن عباس: فِروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم. وعنه فِرّوا منه إليه وٱعملوا بطاعته. وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } ٱخرجوا إلى مكة. وقال الحسين بن الفضل: ٱحترزوا من كل شيء دون اللَّهِ فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الورّاق: فِروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن. وقال الجُنَيد: الشيطان داعٍ إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النون المصري: ففِرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. وقال عمرو بن عثمان: فِرّوا من أنفسكم إلى ربكم. وقال أيضاً: فِروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم. وقال سهل ابن عبد الله: فِرّوا مما سوى الله إلى الله. { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية.

قوله تعالى: { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } أمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا للناس وهو النذير. وقيل: هو خطاب من الله للخلق. { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ } أي من محمد وسيوفه { نَذِيرٌ } أي أنذركم بأسه وسيفه إن أشركتم بي؛ قاله ٱبن عباس.

قوله تعالى: { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ } هذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي كما كذّبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون، كذّب من قبلهم وقالوا مثل قولهم. والكاف من «كَذَلِكَ» يجوز أن تكون نصباً على تقدير أنذركم إنذاراً كإنذار من تقدّمني من الرسل الذين أنذروا قومهم، أو رفعاً على تقدير الأمر كذلك أي كالأول. والأوّل تخويف لمن عصاه من الموحِّدين، والثاني لمن أشرك به من الملحِدين. والتمام على قوله: «كَذَلِكَ» عن يعقوب وغيره.

قوله تعالى: { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب. وتواطأوا عليه؛ والألف للتوبيخ والتعجب. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي لم يوصِ بعضهم بعضاً بل جَمعهم الطغيان، وهو مجاوزة الحدّ في الكفر.

قوله تعالى: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي أعرض عنهم وٱصفح عنهم { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } عند الله لأنك أديت ما عليك من تبليغ الرسالة، ثم نسخ هذا بقوله تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وقيل: نسخ بآية السيف. والأوّل قول الضحاك؛ لأنه قد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة. وقال مجاهد: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فأعرض عنهم { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } أي ليس يلومك ربك على تقصير كان منك { وَذَكِّرْ } أي بالعِظة فإن العِظة { تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. قتادة: «وَذَكِّرْ» بالقرآن { فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ } به { تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وقيل: ذكرهم بالعقوبة وأيام الله. وخصّ المؤمنين؛ لأنهم المنتفعون بها.