التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً
٩
وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً
١٠
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
١٣
هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
١٤
أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ
١٥
ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٦
-الطور

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } العامل في يوم قوله: «وَاقِعٌ» أي يقع العذاب بهم يوم القيامة وهو اليوم الذي تمور فيه السماء. قال أهل اللغة: مار الشيءُ يَمور مَوْراً، أي تحرّك وجاء وذهب كما تَتَكفَّأ النخلةُ العَيْدانة، أي الطويلة، والتُّمور مثله. وقال الضحاك: يموج بعضها في بعض. مجاهد: تدور دوراً. أبو عبيدة والأخفش: تكفأ، وأنشد للأعشى:

كأنّ مِشْيَتها مِن بيتِ جارتِهَامَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

وقيل تجري جرياً. ومنه قول جرير:

وما زالتِ القَتْلَى تَمُورُ دِماؤُهَابِدجلةَ حتَّى ماءُ دجلةَ أَشْكَلُ

وقال ٱبن عباس: تمور السماء يومئذ بما فيها وتضطرب. وقيل: يدور أهلها فيها ويموج بعضهم في بعض. والمور أيضاً الطريق. ومنه قول طَرفة:

... فَـوْقَ مَـوْرٍ مُعَبَّـدِ

والْمَوْرُ الموج. وناقة مَوَّارة اليد أي سريعة. والبعير يمور عضداه إذا ترددا في عَرْض جنبه، قال الشاعر:

على ظَهْـرِ مَوَّارِ المِـلاَطِ حِصَـانِ

المِلاط الجنب. وقولهم: لا أدري أغارَ أم مَارَ؛ أي أتى غوراً أم دار فرجع إلى نجد. والمُور بالضم الغبار بالريح. وقيل: إن السماء هاهنا الفلك وموره ٱضطراب نظمه وٱختلاف سيره؛ قاله ٱبن بحر. { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } قال مقاتل: تسير عن أماكنها حتى تستوي بالأرض. وقيل: تسير كسير السحاب اليوم في الدنيا؛ بيانه { { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88]. وقد مضى هذا المعنى في «الكهف». { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } «وَيْلٌ» كلمة تقال للهالك، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة. { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي في تردد في الباطل، وهو خوضهم في أمر محمد بالتكذيب. وقيل: في خوض في أسباب الدنيا يلعبون لا يذكرون حساباً ولا جزاء. وقد مضى في «براءة».

قوله تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ } «يَوْمَ» بدل من يومئذ. و«يُدَعُّونَ» معناه يدفعون إلى جهنم بشدّة وعنف، يقال: دَعَعْتُه أدعُّه دعًّا أي دفعته، ومنه قوله تعالى: { { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } [الماعون: 2]. وفي التفسير: إن خزنة جهنم يَغلُّون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعونهم في النار دفعاً على وجوههم، وزَخًّا في أعناقهم حتى يرِدوا النار. وقرأ أبو رجاء العطاردي وٱبن السَّمَيْقَع «يَوْمَ يُدعَوْنَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً» بالتخفيف من الدعاء فإذا دنوا من النار قالت لهم الخزنة: { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } في الدنيا.

قوله تعالى: { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } ٱستفهام معناه التوبيخ والتقريع؛ أي يقال لهم: «أَفَسِحْرٌ هَذَا» الذي ترون الآن بأعينكم { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ }. وقيل: «أَمْ» بمعنى بل؛ أي بل كنتم لا تبصرون في الدنيا ولا تعقلون.

قوله تعالى: { ٱصْلَوْهَا } أي تقول لهم الخزنة ذوقوا حرّها بالدخول فيها. { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أي سواء كان لكم فيها صبر أو لم يكن فـ«ـسواء» خبره محذوف، أي سواء عليكم الجزع والصبر فلا ينفعكم شيء، كما أخبر عنهم أنهم يقولون: { { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا } [إبراهيم: 21]. { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.