التفاسير

< >
عرض

مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ
١١
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ
١٢
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ
١٣
عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ
١٤
عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ
١٥
إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ
١٦
مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ
١٧
لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ
١٨
-النجم

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؛ وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية. وقيل: كانت رؤية حقيقة بالبصر. والأوّل مرويّ عن ٱبن عباس. وفي صحيح مسلم أنه رآه بقلبه. وهو قول أبي ذرّ وجماعة من الصحابة. والثاني قول أنس وجماعة. وروي عن ٱبن عباس أيضاً أنه قال: أتعجبون أن تكون الخُلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم. وروي عن ٱبن عباس أيضاً أنه قال: أما نحن بني هاشم فنقول إن محمداً رأى ربه مرتين. وقد مضى القول في هذا في «الأنعام» عند قوله: { { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [الأنعام: 103]. وروى محمد بن كعب قال: "قلنا يا رسول الله صلى الله عليك رأيت ربك؟ قال: رأيته بفؤادي مرتين ثم قرأ: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ }" . وقول: ثالث أنه رأى جلاله وعظمته؛ قاله الحسن. وروى أبو العالية قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أر غير ذلك" . وفي صحيح مسلم "عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أَنَّى أراه" المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته. ودلّ على هذا الرواية الأخرى «رأيت نوراً». وقال ٱبن مسعود: رأى جبريل على صورته مرتين. وقرأ هشام عن ٱبن عامر وأهل الشام «مَا كَذَّبَ» بالتشديد أي ما كذَّب قلبُ محمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدّقه. فـ «ـما» مفعوله بغير حرف مقدّر؛ لأنه يتعدّى مشدّداً بغير حرف. ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي والعائد محذوف، ويجوز أن يكون مع الفعل مصدراً. الباقون مخففاً؛ أي ما كذب فؤاد محمد فيما رأى؛ فأسقط حرف الصفة. قال حسان رضي الله عنه:

لو كنتِ صادقة الذي حدّثتِنِيلنجوتِ مَنْجَا الحارِثِ بنِ هِشامِ

أي في الذي حدّثتِنِي. ويجوز أن يكون مع الفعل مصدراً. ويجوز أن يكون بمعنى الذي؛ أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى.

قوله تعالى: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } قرأ حمزة والكسائي «أَفَتَمْرُونَهُ» بفتح التاء من غير ألف على معنى أفتجحدونه. وٱختاره أبو عبيد؛ لأنه قال: لم يماروه وإنما جحدوه. يقال: مراه حقه أي جحده ومريته أنا؛ قال الشاعر:

لِئن هجرت أخا صِدقٍ ومَكْرُمَةٍلقد مَرَيْتَ أخاً ما كان يَمْرِيكَا

أي جحدته. وقال المبرّد: يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه. قال: ومثل على بمعنى عن قول بني كعب بن ربيعة: رضي الله عليك؛ أي رضي عنك. وقرأ الأعرج ومجاهد «أَفَتُمْرُونَهُ» بضم التاء من غير ألف من أمريت؛ أي تريبونه وتشككونه. الباقون { أَفَتُمَارُونَهُ } بألف، أي أتجادلونه وتدافعونه في أنه رأى الله؛ والمعنيان متداخلان؛ لأن مجادلتهم جحود. وقيل: إن الجحود كان دائماً منهم وهذا جدال جديد؛ قالوا: صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عِيرنا التي في طريق الشام. على ما تقدّم.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } { نَزْلَةً } مصدر في موضع الحال كأنه قال: ولقد رآه نازلاً نزلةً أخرى. قال ٱبن عباس: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى بقلبه. روى مسلم عن أبي العالية عنه قال: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } قال: رآه بفؤاده مرتين؛ فقوله: { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان له صعود ونزول مراراً بحسب أعداد الصلوات المفروضة، فلكل عَرْجة نَزْلة. وعلى هذا قوله تعالى: { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } أي ومحمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى وفي بعض تلك النزلات. وقال ٱبن مسعود وأبو هريرة في تفسير قوله تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } أنه جبريل. ثبت هذا أيضاً في صحيح مسلم. وقال ٱبن مسعود: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "رأيت جبريل بالأفق الأعلى له ستمائة جناح يتناثر من ريشه الدر والياقوت" ذكره المهدوي.

قوله تعالى: { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } «عِنْدَ» من صلة «رَآهُ» على ما بينا. والسِّدْر شجر النَّبِق وهي في السماء السادسة، وجاء في السماء السابعة. والحديث بهذا في صحيح مسلم؛ الأوّل ما رواه مُرَّة عن عبد الله قال: لما أُسْرِيَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ٱنتهي به إلى سِدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغُفِر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحِمات. الحديث الثاني رواه قتادة عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لما رُفعتُ إلى سِدرة المنتهى في السماء السابعة نَبِقها مثل قِلال هَجَر وورقها مثل آذان الفِيَلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان قلت يا جبريل ما هذا قال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات" لفظ الدَّارَقُطْني. والنَّبِق بكسر الباء: ثمر السِّدْر الواحد نَبِقة. ويقال: نَبْق بفتح النون وسكون الباء؛ ذكرهما يعقوب في الإصلاح وهي لغة المصريين، والأولى أفصح وهي التي ثبتت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذيّ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ـ وقد ذُكِر له سِدْرة المنتهى ـ قال: "يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة سنة أو يستظل بظلها مائة راكب ـ شك يحيـى ـ فيها فَرَاش الذهب كأن ثمرها القِلال" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

قلت: وكذا لفظ مسلم من حديث ثابت عن أنس: "ثم ذُهِب بي إلى سِدْرة المنتهَى وإذا ورقها كآذان الفِيلة وإذا ثمرها كالقِلال فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشِي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها" . وٱختلف لم سُمِّيت سِدْرة المنتهى على أقوال تسعة: الأوّل: ما تقدّم عن ٱبن مسعود أنه ينتهي إليها كلما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها. الثاني: أنه ينتهي علم الأنبياء إليها ويعزب علمهم عما وراءها؛ قاله ٱبن عباس. الثالث: أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها؛ قاله الضحاك. الرابع: لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها؛ قاله كعب. الخامس: سميت سِدْرة المنتهَى لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء؛ قاله الربيع بن أنس. السادس: لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين؛ قاله قتادة. السابع: لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه؛ قاله عليّ رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضاً. الثامن: هي شجرة على رؤوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق؛ قاله كعب أيضاً.

قلت: يريد ـ والله أعلم ـ أن ٱرتفاعها وأعالي أغصانها قد جاوزت رؤوس حملة العرش؛ ودليله ما تقدّم من أن أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة، ثم علت فوق ذلك حتى جاوزت رؤوس حملة العرش. والله أعلم. التاسع: سُمِّيت بذلك لأن من رفع إليها فقد ٱنتهى في الكرامة. وعن أبي هريرة: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ٱنتهى به إلى سِدرة المنتهى فقيل له هذه سدرة المنتهى ينتهي إليها كل أحد خَلاَ من أمتك على سنّتك؛ فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسِن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مُصَفًّى، وإذا هي شجرة يسير الرّاكب المسرع في ظلّها مائة عام لا يقطعها، والورقة منها تغطي الأمّة كلها؛ ذكره الثعلبي.

قوله تعالى: { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } تعريف بموضع جنة المأوى وأنها عند سِدرة المنتهى. وقرأ عليّ وأبو هريرة وأنس وأبو سَبرة الجهني وعبد الله بن الزبير ومجاهد «عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى» يعني جَنّة المبيت. قال مجاهد: يريد أجنة. والهاء للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الأخفش: أدركه كما تقول جنة الليل أي ستره وأدركه. وقراءة العامة { جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } قال الحسن: هي التي يصير إليها المتقون. وقيل: إنها الجنة التي يصير إليها أرواح الشهداء؛ قاله ٱبن عباس. وهي عن يمين العرش. وقيل: هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن أخرج منها وهي في السماء السابعة. وقيل: إن أزواج المؤمنين كلهم في جنة المأوى. وإنما قيل لها: جنة المأوى لأنها تأوي إليها أرواح المؤمنين وهي تحت العرش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها. وقيل: لأن جبريل وميكائيل عليهما السلام يأويان إليها. والله أعلم.

قوله تعالى: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال ٱبن عباس والضحاك وٱبن مسعود وأصحابه: فراش من ذهب. ورواه مرفوعاً ٱبن مسعود وٱبن عباس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد تقدّم في صحيح مسلم عن ٱبن مسعود قوله. وقال الحسن: غشيها نور ربّ العالمين فاستنارت. قال القشيري: "وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيها؟ قال: فراش من ذهب" . وفي خبر آخر "غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها" . وقال الربيع بن أنس: غشيها نور الربّ والملائكة تقع عليها كما يقع الغربان على الشجرة. وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت السّدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة مَلَكاً قائماً يسبّح الله تعالى وذلك قوله: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ }" ذكره المهدويّ والثعلبيّ. وقال أنس بن مالك: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال جراد من ذهب وقد رواه مرفوعاً. وقال مجاهد: إنه رَفْرَف أخضرُ. وعنه عليه السلام: "يغشاها رَفْرَف من طير خضر" . وعن ٱبن عباس: يغشاها ربُّ العزة؛ أي أمره كما في صحيح مسلم مرفوعاً: "فلما غشيها من أمر الله ما غشى" . وقيل: هو تعظيم الأمر؛ كأنه قال: إذ يغشى السِّدْرة ما أعلم الله به من دلائل ملكوته. وهكذا قوله تعالى: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } ومثله: { { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ } [الحاقة: 1 - 2]. وقال الماوردي في معاني القرآن له: فإن قيل لم ٱختيرت السِّدْرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأن السِّدْرة تختص بثلاثة أوصاف: ظلّ مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية؛ فشابهت الإيمان الذي يجمع قولاً وعملاً ونيّةً؛ فظلُّها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره. وروى أبو داود في سننه قال: حدّثنا نصر بن علي قال حدّثنا أبو أسامة عن ٱبن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد ابن جُبَير بن مُطْعِم عن عبد الله بن حُبشي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قطع سِدْرةً صَوَّب اللَّهُ رأسَه في النار" وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال: هذا الحديث مختصر يعني من قطع سِدْرة في فلاة يستظل بها ٱبن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حقّ يكون له فيها صَوَّب اللَّهُ رأسَه في النار.

قوله تعالى: { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } قال ٱبن عباس: أي ما عدل يميناً ولا شمالاً، ولا تجاوز الحدّ الذي رأى. وقيل: ما جاوز ما أُمر به. وقيل: لم يمدّ بصره إلى غير ما رأى من الآيات. وهذا وصف أدب للنبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام؛ إذ لم يلتفت يميناً ولا شمالاً.

قوله تعالى: { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } قال ٱبن عباس: رأى رَفْرَفاً سدّ الأفق. وذكر البيهقي عن عبد الله قال: «رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» قال ٱبن عباس: رأى رَفْرَفاً أخضَر سدّ أفق السماء. وعنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حُلّة رفرف أخضر، قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال البيهقي: قوله في الحديث "رأى رَفْرَفاً" يريد جبريل عليه السلام في صورته في رفرف، والرفرف البساط. ويقال: فِراش. ويقال: بل هو ثوب كان لباساً له؛ فقد روي أنه رآه في حُلّة رفرف.

قلت: خرّجه الترمذي عن عبد الله قال: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام في حُلّة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وقد روي عن ٱبن عباس في قوله تعالى: { دَنَا فَتَدَلَّىٰ } أنه على التقديم والتأخير؛ أي تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رُفع فدنا من ربه. قال: "فارقني جبريل وٱنقطعت عني الأصوات وسمعت كلام ربّي" فعلى هذا الرَّفْرَفُ ما يُقْعَد ويُجلَس عليه كالبساط وغيره. وهو بالمعنى الأول جبريل. قال عبد الرحمن بن زيد ومقاتل بن حيان: رأى جبريَل عليه السلام في صورته التي يكون فيها في السموات؛ وكذا في صحيح مسلم عن عبد الله قال: { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. ولا يبعد مع هذا أن يكون في حُلّة رفرف وعلى رفرف. والله أعلم. وقال الضحاك: رأى سِدْرة المنتهى. وعن ٱبن مسعود: رأى ما غشي السِّدرة من فراش الذهب؛ حكاه الماوردي. وقيل: رأى المعراج. وقيل: هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه؛ وهو أحسن؛ دليله: { { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } [الإسراء: 1] و «مِن» يجوز أن تكون للتبعيض، وتكون «الْكُبْرَى» مفعولة لـ «رأى» وهي في الأصل صفة الآيات ووحدت لرؤوس الآيات. وأيضاً يجوز نعت الجماعة بنعت الأنثى؛ كقوله تعالى: { { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]. وقيل: «الْكُبْرَى» نعت لمحذوف؛ أي رأى من آيات ربه الكبرى. ويجوز أن تكون «مِن» زائدة؛ أي رأى آيات ربه الكبرى. وقيل: فيه تقديم وتأخير؛ أي رأى الكبرى من آيات ربه.