التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٤٧
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
٤٨
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ
٤٩
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ
٥٠
وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ
٥٥
-النجم

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث. وقرأ ٱبن كثير وأبو عمرو «ٱلنَّشَأَةَ» بفتح الشين والمدّ؛ أي وعد ذلك ووعده صدق. { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } قال ابن زيد: أغنى من شاء وأفقر من شاء؛ ثم قرأ { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } [العنكبوت: 62] وقرأ { { يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [البقرة: 245] وٱختاره الطبري. وعن ٱبن زيد أيضاً ومجاهد وقتادة والحسن: «أَغْنَى» مَوَّلَ «وأَقْنَى» أَخْدم. وقيل: «أَقْنَى» جعل لكم قِنْية تقتنونها، وهو معنى أخدم أيضاً. وقيل: معناه أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضّاه بما أعطاه؛ قاله ٱبن عباس. وقال الجوهري: قَنِيَ الرجل يَقْنَى قِنًى؛ مثل غَنِي يَغْنَى غِنًى، وأقناه الله أي أعطاه الله ما يُقتنى من القِنْية والنَّشَب. وأقناه الله أيضاً أي رضّاه. والقِنَى الرضا، عن أبي زيد؛ قال وتقول العرب: من أُعِطي مائةً من المعز فقد أعطِي القِنَى، ومن أُعِطي مائةً من الضأن فقد أُعِطَي الغِنى، ومن أُعِطيَ مائة من الإبل فقد أعطِي المُنى. ويقال: أغناه الله وأقناه أي أعطاه ما يسكن إليه. وقيل: { أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } أي أغْنَى نفسه وأفقر خلقه إليه؛ قاله سليمان التيمي. وقال سفيان: أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا. وقال الأخفش: أقنى أفقر. قال ٱبن كيسان: أولد. وهذا راجع لما تقدّم. { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } «الشِّعْرَى» الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدّة الحرّ، وهما الشّعريان العَبُور التي في الجوزاء والشِّعرى الغُمَيْصَاءُ التي في الذراع؛ وتزعم العرب أنهما أختا سُهَيل. وإنما ذكر أنه رَبُّ الشِّعْرى وإن كان ربًّا لغيره؛ لأن العرب كانت تعبده؛ فأعلمهم الله جل وعز أنّ الشِّعْرى مربوب وليس بربّ. وٱختلف فيمن كان يعبده؛ فقال السدي: كانت تعبده حِمْير وخُزَاعة. وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبيّ صلى الله عليه وسلم ٱبن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم؛ وقالوا: ما لقيناً من ٱبن أبي كبشة! وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرّ عليه: لقد أَمِرَ أَمْرُ ٱبنِ أبي كبشة. وقد كان من لا يعبد الشِّعْرى من العرب يعظّمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر:

مضَى أَيْلُولُ وٱرتفعَ الحَرُورُوأخْبَتْ نارَها الشِّعرى العَبُورُ

وقيل: إن العرب تقول في خرافاتها: إن سُهيْلاً والشِّعرى كانا زوجين، فانحدر سُهَيل فصار يمانياً، فاتبعته الشِّعرى العَبُور فعبرت المجرة فسميت العبور، وأقامت الغُمَيْصاء فبكت لفقد سُهَيل حتى غَمِصت عيناه؛ فسمِّيت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى. { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } سماها الأولى لأنهم كانوا مِن قبل ثمود. وقيل: إن ثمود مِن قبل عاد. وقال ٱبن زيد: قيل لها عاد الأولى لأنها أوّل أمة أهلكت بعد نوح عليه السلام. وقال ٱبن إسحاق: هما عادان فالأولى أهلكت بالريح الصّرصر، ثم كانت الأخرى فأهلكت بالصيحة. وقيل: عاد الأولى هو عاد بن إِرم بن عوص بن سام بن نوح، وعاد الثانية من ولد عاد الأولى؛ والمعنى متقارب. وقيل: إن عاد الآخرة الجبارون وهم قوم هود. وقراءة العامة «عَاداً الأُولَى» ببيان التنوين والهمز. وقرأ نافع وٱبن مُحَيِصن وأبو عمرو «عَاداً الأُولَى» بنقل حركة الهمزة إلى اللام وإدغام التنوين فيها، إلا أنّ قالون والسوسي يظهران الهمزة الساكنة. وقلبها الباقون واواً على أصلها؛ والعرب تقلب هذا القلب فتقول: قُم الاَّن عنًّا وضُمَّ لِثْنَينِ أي قم الآن وضم الاثنين { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } ثمود هم قوم صالح أهلكوا بالصيحة. قرىء «ثُموداً» «وَثَمُود» وقد تقدّم. وٱنتصب على العطف على عاد. { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود { إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } وذلك لطول مدّة نوح فيهم، حتى كان الرجل فيهم يأخذ بيد ٱبنه فينطلق إلى نوح عليه السلام فيقول: ٱحذر هذا فإنه كدّاب، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي مثل ما قلت لك؛ فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على وصية أبيه. وقيل: إن الكناية ترجع إلى كلّ مَن ذُكر من عاد وثمود وقوم نوح؛ أي كانوا أكفر من مشركي العرب وأطغى. فيكون فيه تسلية وتعزية للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فكأنه يقول له: فٱصبر أنت أيضاً فالعاقبة الحميدة لك. { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } يعني مدائن قوم لوط عليه السلام ٱئتفكت بهم، أي انقلبت وصار عاليها سافلها. يقال: أَفَكْته أي قلبته وصرفته. «أَهْوَى» أي خسف بهم بعد رفعها إلى السماء؛ رفعها جبريل ثم أهوى بها إلى الأرض. وقال المبرّد: جعلها تهوِي. ويقال: هَوَى بالفتح يَهْوِي هُوِّيًّا أي سقط و «أَهْوَى» أي أسقط. { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } أي ألبسها ما ألبسها من الحجارة؛ قال الله تعالى: { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحجر:74] وقيل: إن الكناية ترجع إلى جميع هذه الأمم؛ أي غَشَّاها من العذاب ما غشاهم، وأبهم لأن كلاًّ منهم أهلِك بضرب غير ما أُهْلِك به الآخر. وقيل: هذا تعظيم الأمر. { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } أي فبأي نِعَم ربّك تشكّ. والمخاطبة للإنسان المكذب. والآلاء النعم واحدها أَلىً وإِلىً وإِلْيٌ. وقرأ يعقوب «تَمَّارَى» بإدغام إحدى التاءين في الأخرى والتشديد.