التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
-القمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ عَادٌ } هم قوم هود. { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } وقعت «نُذُر» في هذه السورة في ستة أماكن محذوفة الياء في جميع المصاحف، وقرأها يعقوب مثبتة في الحالين، وورش في الوصل لا غير، وحذف الباقون. ولا خلاف في حذف الياء من قوله: { فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } والواو من قوله: { يَدْعُو } فأما الياء من { ٱلدَّاعِ } الأول فأثبتها في الحالين ٱبن مُحيصن ويعقوب وحُميد والبَزِّي، وأثبتها ورش وأبو عمرو في الوصل، وحذف الباقون. وأما { ٱلدَّاعِ } الثانية فأثبتها يعقوب وٱبن مُحَيْصن وٱبن كثير في الحالين، وأثبتها أبو عمرو ونافع في الوصل، وحذفها الباقون. { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } أي شديدة البرد؛ قاله قتادة والضحاك. وقيل: شديدة الصوت. وقد مضى في «حم السجدة». { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي في يوم كان مشؤوماً عليهم. وقال ٱبن عباس: أي في يوم كانوا يتشاءمون به. الزجاج: قيل في يوم أربعاء. ٱبن عباس: كان آخر أربعاء في الشهر أفنى صغيرهم وكبيرهم. وقرأ هارون الأعور «نَحِسٍ» بكسر الحاء وقد مضى القول فيه في حم السجدة { { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [فصلت:16] . و { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي دائم الشؤم ٱستمرّ عليهم بنحوسه، وٱستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك. وقيل: ٱستمر بهم إلى نار جهنم. وقال الضحاك: كان مُرًّا عليهم. وكذا حكى الكسائي أن قوماً قالوا هو من المرارة؛ يقال: مُرَّ الشيء وأَمرَّ أي كان كالشيء المرّ تكرهه النفوس. وقد قال: «فَذُوقُوا» والذي يذاق قد يكون مُرّاً. وقد قيل: هو من المِرّة بمعنى القوّة. أي في يوم نحس مستمر مستحكم الشؤم كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه. فإن قيل: فإذا كان يوم الأربعاء يوم نحس مستمر فكيف يستجاب فيه الدعاء؟ وقد جاء أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ٱستجيب له فيه فيما بين الظهرِ والعصرِ. وقد مضى في «البقرة» حديث جابر بذلك. فالجواب ـ والله أعلم ـ ما جاء في خبر يرويه مسروق عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقضي باليمين مع الشاهد وقال يوم الأربعاء يوم نحس مستمر" ومعلوم أنه لم يرد بذلك أنه نحس على الصالحين، بل أراد أنه نحس على الفجار والمفسدين؛ كما كانت الأيام النحسات المذكورة في القرآن؛ نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم والمؤمنين به منهم، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يمهل الظالم من أوّل يوم الأربعاء إلى أن تزول الشمس، فإذا أدبر النهار ولم يحدث رجعة ٱستجيب دعاء المظلوم عليه، فكان اليوم نحساً على الظالم؛ ودعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان على الكفار، وقول جابر في حديثه «لم ينزل بي أمر غليظ» إشارة إلى هذا. والله أعلم.

قوله تعالى: { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } في موضع الصفة للريح أي تَقْلَعهم من مواضعهم. قيل: قلعتهم من تحت أقدامهم ٱقتلاع النخلة من أصلها. وقال مجاهد: كانت تقلعهم من الأرض، فترمي بهم على رؤوسهم فتندقّ أعناقهم وتَبِين رؤوسهم عن أجسادهم. وقيل: تنزع الناس من البيوت. وقال محمد بن كعب عن أبيه قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ٱنتزعت الريح الناس من قبورهم" . وقيل: حفروا حُفَراً ودخلوها فكانت الريح تنزعهم منها وتكسرهم، وتبقى تلك الحفر كأنها أصول نخل (قد) هلك ما كان فيها فتبقى مواضعها منقعرة. ويروى أن سبعة منهم حفروا حفراً وقاموا فيها ليردُّوا الريح. قال ٱبن إسحاق: لما هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد سمى لنا منهم ستة من أشد عاد وأجسمها منهم عمرو بن الحلي والحرث بن شداد والهِلْقام وٱبنا تِقْن وخلجان بن سعد فأْولجوا العيال في شِعب بين جبلين، ثم ٱصطفوا على باب الشِّعب ليردّوا الريح عمن في الشِّعب من العيال، فجعلت الريح تَجْعَفهم رجلاً رجلاً، فقالت ٱمرأة من عاد:

ذهبَ الدهرُ بعمرِو بــن حلٍّي والهنيّات
ثم بالحرث والهِلْــقامِ طَلاَّعِ الثنِّيات
والذي سدّ مهبّ الريح أيام البلِيّات

الطبريّ: في الكلام حذف، والمعنى تنزع الناس فتتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر؛ فالكاف في موضع نصب بالمحذوف. الزجاج: الكاف في موضع نصب على الحال، والمعنى تنزع الناس مشبهين بأعجاز نخل. والتشبيه قيل إنه للحُفَر التي كانوا فيها. والأعجاز جمع عَجُز وهو مؤخر الشيء، وكانت عاد موصوفين بطول القامة، فشُبِّهوا بالنخل ٱنكبت لوجوهها. وقال: { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } للفظ النخل وهو من الجمع الذي يذكّر ويؤنّث. والمنقعر: المنقلع من أصله؛ قعرت الشجرة قعراً قلعتها من أصلها فٱنقعرت. الكسائي: قعرت البئر أي نزلت حتى ٱنتهيت إلى قعرها، وكذلك الإناء إذا شربت ما فيه حتى ٱنتهيت إلى قعره. وأقعرت البئر جعلت لها قعراً. وقال أبو بكر بن الأنباري: سئل المبرِّد بحضرة إسماعيل القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها، فقيل له: ما الفرق بين قوله تعالى: { { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } [الأنبياء:81] و { { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } [يونس:22]، وقوله: { { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة:7] و { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ }؟ فقال: كلما ورد عليك من هذا الباب فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً، أو إلى المعنى تأنيثاً. وقيل: إن النخل والنخيل بمعنًى يذكّر ويؤنث كما ذكرنا. { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر } { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (تقدّم).