التفاسير

< >
عرض

إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
٢٧
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ
٢٨
فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٠
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
-القمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّا مُرْسِلُو ٱلنَّاقَةِ } أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها، فروي أن صالحاً صلى ركعتين ودعا فانصدعت الصخرة التي عينوها عن سنامها، فخرجت ناقة عُشَراء وبراء. { فِتْنَةً لَّهُمْ } أي ٱختباراً وهو مفعول له. { فَٱرْتَقِبْهُمْ } أي ٱنتظر ما يصنعون. { وَٱصْطَبِرْ } أي ٱصبر على أذاهم، وأصل الطاء في ٱصطبر تاء فتحوّلت طاء لتكون موافقة للصاد في الإطباق. { وَنَبِّئْهُمْ }: أي أخبرهم { أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي بين آل ثمود وبين الناقة، لها يوم ولهم يوم، كما قال تعالى: { { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } .[الشعراء:155] قال ٱبن عباس: كان يوم شِربهم لا تشرب الناقة شيئاً من الماء وتسقيهم لبناً وكانوا في نعيم، وإذا كان يوم الناقة شربت الماء كلّه فلم تُبق لهم شيئاً. وإنما قال: «بَيْنَهُمْ» لأن العرب إذا أخبروا عن بني آدم مع البهائم غلّبوا بني آدم. وروى أبو الزبير " عن جابر قال: لما نزلنا الحجرْ في مغزى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَبُوك، قال:أيها الناس لا تسألوا في هذه الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله لهم ناقة فبعث الله عز وجل إليهم الناقة فكانت تَرِد من ذلك الفجّ فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غِبِّها" وهو معنى قوله تعالى: { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ }. { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } الشِّرْب ـ بالكسر ـ الحَظ من الماء؛ وفي المثل: (آخرها أقلّها شِرْباً) وأصله في سقي الإبل، لأن آخرها يرد وقد نزِف الحوضُ. ومعنى «مُحْتَضَرٌ» أي يحضُره مَن هو له؛ فالناقة تَحضُر الماء يوم وِردها، وتغيب عنهم يوم وِردهم؛ قاله مقاتل. وقال مجاهد: إن ثمود يحضرون الماء يوم غبِّها فيشربون، ويحضرون اللبن يوم وِردها فيحتلبون.

قوله تعالى: { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } يعني بالحضّ على عَقْرها { فَتَعَاطَىٰ } عقرها { فَعَقَرَ } هَا ومعنى تعاطى تناول الفعل؛ من قولهم: عَطَوتُ أي تناولت؛ ومنه قول حسان:

كلْتَاهُمَا حَلَبُ العَصِيرِ فعَاطِنِيبزجاجةٍ أرخاهما للمِفْصَلِ

قال محمد بن إسحاق: فكمِن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عَضَلة ساقها، ثم شدّ عليها بالسيف فكشف عُرْقوبها، فخرّت ورَغت رُغاءةً واحدة تحَدّر سَقْبها من بطنها ثم نَحرها، وٱنطلق سَقْبها حتى أتى صخرة في رأس جبل فرغا ثم لاذ بها، فأتاهم صالح عليه السلام؛ فلما رأى الناقة قد عُقِرت بكى وقال: قد ٱنتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله. وقد مضى في «الأعراف» بيان هذا المعنى. قال ٱبن عباس: وكان الذي عقرها أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى. ويقال في ٱسمه قُدَار بن سالف. وقال الأفوه الأَوْدي:

أو قَبْلَه كقُدَارٍ حين تَابَعَهُعلى الغِوَايةِ أقوامٌ فقد بادُوا

والعرب تسمِّي الجزّار قُدَاراً تشبيهاً بقُدَار بن سالف مشؤوم آل ثمود؛ قال مُهلهِل:

إنَّا لَنَضْرِبُ بالسُّيُوفِ رؤُوسَهمْضَرْبَ القُدَارِ نقِيعةَ القُدَّامِ

وذكره زهير فقال:

فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلمانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْكأحمرِ عادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فتَفْطِمِ

يريد الحرب؛ فكنَّى عن ثمود بعاد.

قوله تعالى: { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يريد صيحة جبريل عليه السلام، وقد مضى في «هود». { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } وقرأ الحسن وقتادة وأبو العالية «المحْتَظَر» بفتح الظاء أرادوا الحظيرة. الباقون بالكسر أرادوا صاحب الحظيرة. وفي الصحاح: والمحتِظر الذي يعمل الحظيرة. وقرىء «كَهَشِيِم المحتظِر» فمن كسره جعله الفاعل ومن فتحه جعله المفعول به. ويقال للرجل القليل الخير: إنَّه لنَكِدُ الْحظِيرَة. قال أبو عبيد: أراه سمى أمواله حظيرة لأنه حظرها عنده ومنعها، وهي فعيلة بمعنى مفعولة. المهدوي: من فتح الظاء من «المحتظر» فهو مصدر، والمعنى كهشيم الاحتظار. ويجوز أن يكون «المحتظَر» هو الشجر المتخذ منه الحظيرة. قال ٱبن عباس: «المحتظِر» هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك؛ فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم. قال:

أَثَرْنَ عَجاجةً كدخانِ نارٍتشبّ بغَرْقَدٍ بالٍ هَشِيمِ

وعنه: كحشيش تأكله الغنم. وعنه أيضاً: كالعظام النخرة المحترقة، وهو قول قتادة. وقال سعيد بن جُبير: هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح. وقال سفيان الثوري: هو ما تناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصا، وهو فعيل بمعنى مفعول. وقال ٱبن زيد: العرب تسمِّي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً. والحظْر المنع، والمحتظر المفتعل يقال منه: ٱحتظر على إبله وحظر أي جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض ليمنع برد الريح والسباع عن إبله؛ قال الشاعر:

تَرَى جِيَفَ المَطِيِّ بجانبيهكأنّ عظامَها خَشَبُ الهَشِيمِ

وعن ٱبن عباس: أنهم كانوا مثل القمح الذي ديس وهشم؛ فالمحتظر على هذا الذي يتخذ حظيرة على زرعه، والهشيم فُتات السنبلة والتبن. { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }.