التفاسير

< >
عرض

أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ
٤٣
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ
٤٤
سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ
٤٥
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ
٤٦
-القمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } خاطب العرب. وقيل: أراد كفار أمّة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: ٱستفهام، وهو ٱستفهام إنكار ومعناه النفي؛ أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدّم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم. { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } أي في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة. وقال ٱبن عباس: أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب. { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم وقوتهم، ولم يقل منتصرين ٱتباعاً لرؤوس الآي؛ فرد الله عليهم فقال: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } أي جمع كفار مكة، وقد كان ذلك يوم بدر وغيره. وقراءة العامة «سَيُهْزَمُ» بالياء على ما لم يسم فاعله «الْجَمْعُ» بالرفع. وقرأ رُوَيس عن يعقوب «سَنَهْزِمُ» بالنون وكسر الزاي «الْجَمْعَ» نصباً. { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم. وقرأ عيسى وٱبن إسحاق ورُوَيس عن يعقوب «وَتُوَلُّونَ» بالتاء على الخطاب. و { ٱلدُّبُرَ } ٱسم جنس كالدرهم والدينار فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي. وقال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدّم من الصّف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه؛ فأنزل الله تعالى: { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ }. وقال سعيد بن جبير "قال سعد بن أبي وقّاص: لما نزل قوله تعالى: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } كنت لا أدري أي الجمع ينهزم، فلما كان يوم بَدْر رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يَثِب في الدرع ويقول: اللهم إن قريشاً جاءتك تُحَادُّك وتُحادُّ رسولَك بفخرها و خُيَلائها فأخنهم الغداةَ ـ ثم قال ـ { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } فعرفت تأويلها" . وهذا من معجزات النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر. أخنى عليه الدهر: أي أتى عليه وأهلكه، ومنه قول النابغة:

أَخْنَـى عليـه الـذي أَخْنَـى علـى لُبَـدِ

وأخنيت عليه: أفسدت. قال ٱبن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين؛ فالآية على هذا مكية. وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب: { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ }. وعن ٱبن عباس " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر: أَنْشدُكَ عهدَك ووعدَك اللّهم إن شئت لم تُعبدْ بعدَ اليوم أبداً فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك؛ وهو في الدّرْع فخرج وهو يقول: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } يريد القيامة" . { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي أدهى وأمرّ مما لحقهم يوم بدر. و «أَدْهَى» من الداهية وهي الأمر العظيم؛ يقال: دهاه أمر كذا أي أصابه دهواً ودهياً. وقال ٱبن السكيت: دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها.