التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ
١٤
وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ
١٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٦
رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ
١٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٨
-الرحمن

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } باتفاق من أهل التأويل يعني آدم. { مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } الصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، شبهه بالفَخَّار الذي طبخ. وقيل: هو طين خلط برمل. وقيل: هو الطين المنتن من صَلَّ اللحمُ وأَصلَّ إذا أنتن؛ وقد مضى في «الحجر». وقال هنا: { مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } وقال هناك: { { مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر:26]. وقال: { { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } .[الصافات:11] وقال: { { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران:59] وذلك متفق المعنى؛ وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طيناً، ثم ٱنتقل فصار كالحمإ المسنون، ثم ٱنتقل فصار صلصالاً كالفخَّار. { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } قال الحسن: الجانّ إبليس وهو أبو الجنّ. وقيل: الجانّ واحد الجنّ، والمارج اللهب؛ عن ٱبن عباس، وقال: خلق الله الجانَّ من خالص النار. وعنه أيضاً من لسانها الذي يكون في طرفها إذا ٱلتهبت. وقال الليث: المارج الشُّعْلة الساطعة ذات اللهب الشديد. وعن ٱبن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر؛ ونحوه عن مجاهد؛ وكله متقارب المعنى. وقيل: المارج كل أمر مرسل غير ممنوع، ونحوه قول المبرد؛ قال المبرد: المارج النار المرسلة التي لا تمنع. وقال أبو عبيدة والحسن: المارج خلط النار، وأصله من مرج إذا ٱضطرب وٱختلط؛ ويروى أن الله تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس. قال القُشَيريّ: والمارج في اللغة المرسل أو المختلط وهو فاعل بمعنى مفعول؛ كقوله: { { مَّآءٍ دَافِقٍ } [الطارق:6] و { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة:21] والمعنى ذو مرج؛ قال الجوهري في الصحاح: و{ مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } نار لا دخان لها خلق منها الجان. { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.

قوله تعالى: { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } أي هو رب المشرقين. وفي الصافات { { وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } [الصافات: 5] وقد مضى الكلام في ذلك هنالك.