التفاسير

< >
عرض

حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ
٧٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧٣
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ
٧٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧٥
-الرحمن

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } «حُورٌ» جمع حوراء، وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم. «مَقْصُورَاتٌ» محبوسات مستورات «فيِ الْخِيَامِ» في الحجال لسن بالطوّافات في الطرق؛ قاله ٱبن عباس. وقال عمر رضي الله عنه: الخيمة دُرة مجوّفة. وقاله ٱبن عباس. وقال: هي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. وقال الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى: { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ }: بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قَطَرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة منهنّ خيمة على شاطىء الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب، حتى إذا دخل وليّ الله الجنة ٱنصدعت الخيمة عن باب ليعلم وليّ الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين. والله أعلم. وقال في الأوليين: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } قصرن طرفهنّ على الأزواج ولم يذكر أنهنّ مقصورات، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل. وقال مجاهد: «مَقْصُورَاتٌ» قد قُصِرن على أزواجهنّ فلا يُرِدن بدلاً منهم. وفي الصحاح: وقصرت الشيء أقصره قصراً حبسته؛ ومنه مقصورة الجامع، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز به إلى غيره، وٱمرأة قَصِيرة وقَصُورة أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج؛ قال كُثَيِّر:

وأنتِ التي حَبَّبْتِ كلَّ قَصِيرَةٍإليّ وما تَدْرِي بذاكَ الْقَصَائرُ
عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الحجالِ ولم أُرِدْقِصارَ الخُطَا شَرُّ النّساءِ البَحاتِرُ

وأنشده الفراء قَصُورة؛ ذكرة ٱبن السِّكّيت. وروى أنس قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أُسري بي في الجنة بنهر حافتاه قِبَاب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء جوارٍ من الحور العِين ٱستأذنّ ربهنّ في أن يُسلِّمن عليك فأذن لهنّ فقلن نحن الخالدات فلا نموت أبداً ونحن الناعمات فلا نَبْؤُس أبداً ونحن الراضيات فلا نسخَط أبداً أزواج رجال كرام ثم قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ }" أي محبوسات حبس صيانةٍ وتكرمة. وروي " عن أسماء بنت يزيد الأشهلية أنها أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعدُ بيوتكم وحواملُ أولادكم، فهل نشارككم في الأجر؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:نعم إذا أحسنتن تَبعُّلَ أزواجكنّ وطلبتن مرضاتهم" .

قوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } أي لم يمسسهن على ما تقدم قبل. وقراءة العامة { يَطْمِثْهُنَّ } بكسر الميم. وقرأ أبو حيوة الشامي وطلحة بن مُصرِّف والأعرج والشيرازي عن الكسائي بضم الميم في الحرفين. وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى ويُخَيِّر في ذلك، فإذا رفع الأولى كسر الثانية وإذا كسر الأولى رفع الثانية. وهي قراءة أبي إسحاق السّبيعي. قال أبو إسحق: كنت أصلّي خلف أصحاب عليّ فيرفعون الميم، وكنت أَصَلِّي خلف أصحاب عبد الله فيكسرونها، فٱستعمل الكسائي الأثرين. وهما لغتان طَمُث وطَمِث مثل يَعرُشُون ويَعْكِفُون؛ فمن ضم فللجمع بين اللغتين، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة. وإنما أعاد قوله: «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ»؛ ليبين أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة الحور القاصرات الطرف. يقول: إذا قصرن كانت لهنّ الخيام في تلك الحال.