التفاسير

< >
عرض

ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
-الواقعة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي جماعة من الأمم الماضية. { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أي ممن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال الحسن: ثُلَّة ممن قد مضى قبل هذه الأمة، وقليل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ٱجعلنا منهم بكرمك. وسُمُّوا قليلاً بالإضافة إلى من كان قبلهم؛ لأن الأنبياء المتقدّمين كثروا فكثر السابقون إلى الإيمان منهم، فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا. وقيل: لما نزل هذا شَقَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلثَ أهل الجنة بل نصفَ أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني" رواه أبو هريرة، ذكره الماوردي وغيره. ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود. وكأنه أراد أنها منسوخة والأشبه أنها محكمة لأنها خبر؛ ولأن ذلك في جماعتين مختلفتين. قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا؛ فلذلك قال: { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } وقال في أصحاب اليمين وهم سوى السابقين: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكون أمتي شطر أهل الجنة" ثم تلا قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } قال مجاهد: كلٌّ من هذه الأمة. وروى سفيان عن أبان عن سعيد بن جبير عن ٱبن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الثُّلَّتان جميعاً من أمتي" يعني { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال أبو بكر رضي الله عنه: كِلاَ الثُّلَّتين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهم من هو في أوّل أمته، ومنهم من هو في آخرها؛ وهو مثل قوله تعالى: { { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [فاطر:32]. وقيل: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي من أوّل هذه الأمة. { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } يسارع في الطاعات حتى يلحق درجة الأوّلين؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم قَرْني" ثم سَوَّى في أصحاب اليمين بين الأوّلين والآخرين. والثُّلَّة من ثَلَلت الشيء أي قطعته، فمعنى ثلة كمعنى فرقة؛ قاله الزجاج.

قوله تعالى: { { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } [الطور:20] أي السابقون في الجنة «عَلَى سُرُرٍ»؛ أي مجالسهم على سرر جمع سرير. { مَّوْضُونَةٍ } قال ٱبن عباس: منسوجة بالذهب. وقال عكرمة: مشبكة بالدُّرّ والياقوت. وعن ٱبن عباس أيضاً: «مَوْضُونَةٍ» مصفوفة؛ كما قال في موضع آخر: { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ }. وعنه أيضاً وعن مجاهد: مَرْمولة بالذهب. وفي التفاسير: «مَوْضُونَةٍ» أي منسوجة بقضبان الذّهب مشبكة بالدّر والياقوت والزّبرجد. والوضْن النسج المضاعف والنّضد؛ يقال: وَضَن فلانٌ الحجَرَ والآجُرَّ بعضه فوق بعض فهو موضون، ودرع موضونة أي محكمة في النّسج مثل مصفوفة؛ قال الأعشى:

وَمِن نَسْجِ دَاوُدَ مَوضُونَةتُسَاقُ مع الحيِّ عِيراً فَعِيرَا

وقال أيضاً:

وبَيْضَاء كالنَّهْيِ مَوْضُونَةلها قَوْنَسٌ فوقَ جَيْبِ البَدَنْ

والسرير الموضون: الذي سطحه بمنزلة المنسوج؛ ومنه الوَضِين: بِطانٌ من سُيور ينسج فيدخل بعضه في بعض؛ ومنه قوله:

إليكَ تَعْدُو قَلِقاً وَضِينُها

{ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } أي على السرر { مُتَقَابِلِينَ } أي لا يرى بعضهم قَفَا بعض، بل تدور بهم الأسرة، وهذا في المؤمن وزوجته وأهله؛ أي يتكئون متقابلين. قاله مجاهد وغيره. وقال الكلبيّ: طول كل سرير ثلثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ٱرتفعت.