التفاسير

< >
عرض

وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
-الواقعة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } أي أصنافاً ثلاثة كل صنف يشاكل ما هو منه، كما يشاكل الزوج الزوجة، ثم بيّن من هم فقال: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } و { ٱلسَّابِقُونَ }؛ فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأصحاب المشأمة هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار؛ قاله السُّديّ. والمشأمة الميسرة وكذلك الشأمة. يقال: قعد فلان شأمة. ويقال: يا فلان شائم بأصحابك؛ أي خذ بهم شأمة أي ذات الشمال. والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى، وللجانب الشمال الأشأم. وكذلك يقال لما جاء عن اليمين اليُمْن، ولمَا جاء عن الشّمال الشؤم. وقال ٱبن عباس والسُّديّ: أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذّرية من صُلْبه فقال الله لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وقال زيد بن أسلم: أصحاب الميمنة هم الذين أُخِذوا من شقّ آدم الأيمن يومئذ، وأصحاب المشأمة الذين أُخِذوا من شق آدم الأيسر. وقال عطاء ومحمد بن كعب: أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بشماله. وقال ٱبن جريج: أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات. وقال الحسن والربيع: أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم بالأعمال السيئة القبيحة. وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "فلما عَلَونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أَسْوِدة وعن يساره أَسْوِدة ـ قال ـ فإذا نظر قِبل يمينه ضحك وإذا نظر قِبل شماله بكى ـ قال ـ فقال مرحباً بالنبيّ الصالح والابن الصالح ـ قال ـ قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم عليه السلام وهذه الأسوِدة التي عن يمينه وعن شماله نَسَم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والأسوِدة التي عن شماله أهل النار" وذكر الحديث. وقال المبرد: وأصحاب الميمنة أصحاب التقدّم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر. والعرب تقول: ٱجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك؛ أي ٱجعلني من المتقدّمين ولا تجعلنا من المتأخرين. والتكرير في { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ }. و { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } للتفخيم والتعجيب؛ كقوله: { { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ } [الحاقة:1] و { { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة:1] كما يقال: زيد ما زيد! وفي حديث أمّ زَرْع رضي الله عنها: مالِكٌ ومَا مَالِكٌ! والمقصود تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب ولأصحاب المشأمة من العقاب. وقيل: «أَصْحَابُ» رفع بالابتداء والخبر { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } كأنه قال: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } ما هم؛ المعنى: أيُّ شيء هم. وقيل: يجوز أن تكون «ما» تأكيداً، والمعنى فالذين يعطون كتابهم بأيمانهم هم أصحاب التقدّم وعلوّ المنزلة.

قوله تعالى: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السابقون الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم" ذكره المهدوي. وقال محمد بن كعب القُرَظيّ: إنهم الأنبياء. الحسن وقتادة: السابقون إلى الإيمان من كل أمة. ونحوه عن عكرمة. محمد بن سيرين: هم الذين صَلُّوا إلى القبلتين؛ دليله قوله تعالى: { { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } [التوبة:100]. وقال مجاهد وغيره: هم السابقون إلى الجهاد، وأوّل الناس رواحاً إلى الصلاة. وقال عليّ رضي الله عنه: هم السابقون إلى الصلوات الخمس. الضحاك: إلى الجهاد. سعيد بن جُبير: إلى التوبة وأعمال البر؛ قال الله تعالى: { { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [آل عمران:133] ثم أثنى عليهم فقال: { { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون:61]. وقيل: إنهم أربعة؛ منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ قاله ٱبن عباس؛ حكاه الماوردي. وقال شُمَيْط بن العجلان: الناس ثلاثة؛ فرجل ٱبتكر للخير في حداثة سنه داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرّب، ورجل ٱبتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين، ورجل ٱبتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال. وقيل: هم كل من سبق إلى شيء من أشياء الصلاح. ثم قيل: { ٱلسَّابِقُونَ } رفع بالابتداء والثاني توكيد له والخبر { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ }. وقال الزجاج: { ٱلسَّابِقُونَ } رفع بالابتداء والثاني خبره؛ والمعنى السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } من صفتهم. وقيل: إذا خرج رجل من السابقين المقربين من منزله في الجنة كان له ضوء يعرفه به من دونه.