التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
-الحديد

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي بالمعجزات البيّنة والشرائع الظاهرة. وقيل: الإخلاص لله تعالى في العبادة، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؛ بذلك دعت الرسل: نوح فمن دونه إلى محمد صلى الله عليه وسلم. { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } أي الكتب؛ أي أوحينا إليهم خبر ما كان قبلهم { وَٱلْمِيزَانَ } قال ٱبن زيد: هو ما يوزن به ويتعامل { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل في معاملاتهم. وقوله: { بِٱلْقِسْطِ } يدل على أنه أراد الميزان المعروف. وقال قوم: أراد به العدل. قال القشيري: وإذا حملناه على الميزان المعروف، فالمعنى أنزلنا الكتاب ووضعنا الميزان فهو من باب:

* عَلَفْتُهَـا تِبناً ومـاءً بـارداً

ويدل على هذا قوله تعالى: { { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمٰن:7] ثم قال: { { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } [الرحمٰن:9] وقد مضى القول فيه. { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } روى عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح" . وروى عكرمة عن ٱبن عباس قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام: الحجر الأسود وكان أشد بياضاً من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع مع طول موسى، والحديد أنزل معه ثلاثة أشياء: السندان والكَلْبَتَان والمِيقَعة وهي المِطرقة؛ ذكره الماوردي. وقال الثعلبي: قال ٱبن عباس نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدّادين: السَّنْدَان، والْكَلْبَتَان، والمِيقَعة، والمِطْرقة، والإبرة. وحكاه القشيريّ قال: والمِيقَعة ما يحدّد به؛ يقال وَقَعْتُ الحديدةَ أقعها أي حددتها. وفي الصحاح: والمِيقَعة الموضع الذي يألفه البازِي فيقع عليه، وخشبة القَصّار التي يَدقّ عليها، والمِطْرقة والمِسنّ الطويل. وروي أن الحديد أنزل في يوم الثلاثاء. { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } أي لإهراق الدماء. ولذلك نهى عن الفصد والحِجامة في يوم الثلاثاء؛ لأنه يوم جرى فيه الدم. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في يوم الثلاثاء ساعةً لا يرقأ فيها الدم" . وقيل: { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } أي أنشأناه وخلقناه؛ كقوله تعالى: { { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } وهذا قول الحسن. فيكون من الأرض غير منزل من السماء. وقال أهل المعاني: أي أخرج الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه. { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } يعني السلاح والكُرَاع والجُنة. وقيل: أي فيه من خشية القتل خوف شديد. { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } قال مجاهد: يعني جُنَّة. وقيل: يعني ٱنتفاع الناس بالماعون من الحديد، مثل السكين والفأس والإبرة ونحوه. { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } أي أنزل الحديد ليعلم من ينصره. وقيل: هو عطف على قوله تعالى: { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } أي أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب، وهذه الأشياء؛ ليتعامل الناس بالحق، { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } وليرى الله من ينصر دينه { وَ } ينصر { رُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ } قال ٱبن عباس: ينصرونهم لا يكذبونهم، ويؤمنون بهم «بِالْغَيْبِ» أي وهم لا يرونهم. { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } «قَوِيُّ» في أخذه «عَزِيزٌ» أي منيع غالب. وقد تقدّم. وقيل: { بِٱلْغَيْبِ } بالإخلاص.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ } فصّل ما أجمل من إرسال الرّسل بالكتب، وأخبر أنه أرسل نوحاً وإبراهيم وجعل النبوّة في نسلهما { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } أي جعلنا بعض ذريتهما الأنبياء، وبعضهم أمماً يتلون الكتب المنزلة من السماء: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وقال ٱبن عباس: الكتاب الخط بالقلم { فَمِنْهُمْ } أي من ٱئتمّ بإبراهيم ونوح { مُّهْتَدٍ }. وقيل: { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ } أي من ذريتهما مهتدون. { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } كافرون خارجون عن الطاعة.