التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
١٠
تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
-الصف

الجامع لاحكام القرآن

فيه خمس مسائل:

الأولى ـ: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ } قال مقاتل: نزلت في عثمان بن مظعون؛ وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أذِنت لي فطلّقتُ خَوْلة، وَتَرهَّبْتُ واخْتَصَيْتُ وَحرَّمْتُ اللّحم، ولا أنام بليل أبداً، ولا أُفطر بنهار أبداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ مِن سُنَّتي النكاح ولا رَهْبَانِية في الإسلام إنما رهبانِيةُ أمتي الجهادُ في سبيل الله وخِصاءُ أُمتي الصومُ ولا تُحَرِّموا طيبات ما أحلّ الله لكم. ومِنْ سُنَّتي أنام وأقوم وأفْطِر وأصوم فمن رَغِب عن سُنَّتي فليس مني. فقال عثمان: والله لَوددْتُ يا نبي الله أي التجارات أحبّ إلى الله فأتّجر فيها" ؛ فنزلت. وقيل: { أَدُلُّكمْ } أي سأدلكم. والتجارة الجهاد؛ قال الله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } } [التوبة:111] الآية. وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل: لأهل الكتاب.

الثانية ـ: قوله تعالى: { تُنجِيكُم } أي تخلصكم { مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي مؤلم. وقد تقدّم. وقراءة العامة { تُنْجِيكُم } بإسكان النون من الإنجاء. وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوة «تُنَجيّكم» مشدّدا من التنّجية. ثم بين التجارة وهي المسألة: ـ

الثالثة ـ: فقال: { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } ذكر الأموال أوّلا لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق. { ذَلِكُمْ } أي هذا الفعل { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أموالكم وأنفسكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }. و «تُؤمِنُونَ» عند المبرد والزجاج في معنى آمنوا؛ ولذلك جاء { يَغْفِرْ لَكُمْ } مجزوماً على أنه جواب الأمر. وفي قراءة عبد الله «آمنوا بالله» وقال الفراء { يَغْفِرْ لَكُمْ } جواب الاستفهام؛ وهذا إنما يصح على الحمل على المعنى؛ وذلك أن يكون «تُؤْمِنُونَ بِالله،وَتُجَاهِدُونَ» عطف بيان على قوله: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } كأن التجارة لم يدر ما هي؛ فبُيّنت بالإيمان والجهاد؛ فهي هما في المعنى. فكأنه قال: هل تؤمنون بالله وتجاهدون يغفر لكم. الزَّمَخْشريّ: وجه قول الفراء أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسَّرة بالإيمان (والجهاد). كأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم. قال المهدوِيّ: فإن لم تقدر هذا التقدير لم تصح المسألة؛ لأن التقدير يصير إن دُللتم يغفر لكم؛ والغفران إنما نُعت بالقبول والإيمان لا بالدلالة. قال الزجاج: ليس إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم؛ إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقرأ زيد بن علي «تؤمنوا»، «وتجاهدوا» على إضمار لام الأمر؛ كقوله:

محمّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كلُّ نفسٍإذا ما خِفْتَ من شيء تَبَالا

أراد لِتَفْدِ. وأدغم بعضهم فقال: «يغفر لكم» والأحسن ترك الإدغام؛ لأن الراء حرف متكرر قويّ فلا يحسن إدغامه في اللام؛ لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف.

الرابعة ـ: قوله تعالى: { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } خرّج أبو الحسين الآجرّي " عن الحسن قال: سألت عمران بن الحُصَين وأبا هريرة عن تفسير هذه الآية { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } فقالا: على الخبير سقطت: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال:قَصْرٌ من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زَبَرجْدة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لَونْ على كلّ فراش سبعون امرأةً من الحُور العِين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وَصِيفاً ووصِيفة فيعطى الله تبارك وتعالى المؤمن من القُوّة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله" . { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي إقامة. { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي السعادة الدائمة الكبيرة. وأصل الفوز الظفَر بالمطلوب.

الخامسة ـ: قوله تعالى: { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } قال الفرّاء والأخفش: «أُخْرَى» معطوفة على «تِجَارَةٍ» فهي في محل خفض. وقيل: محلها رفع؛ أي ولكم خصلة أخرى وتجارة أخرى تحبونها { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ } أي هو نصر من الله؛ فـ «نصر» على هذا تفسير «وأخْرَى». وقيل: رفع على البدل من «أُخْرَى» أي ولكم نصر من الله. { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي غنيمة في عاجل الدنيا؛ وقيل فتح مكة. وقال ابن عباس: يريد فتح فارس والروم. { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } برضا الله عنهم.