التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
-الجمعة

الجامع لاحكام القرآن

ضرب مَثَلاً لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. { حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي كُلّفوا العمل بها؛ عن ابن عباس. وقال الجُرجاني: هو من الحَمَالة بمعنى الكفالة؛ أي ضمنوا أحكام التوراة. { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } هي جمع سِفْر، وهو الكتاب الكبير؛ لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء. قال مَيمون بن مِهْران: الحمار لا يدري أسِفْر على ظهره أم زبِيل؛ فهكذا اليهود. وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه؛ لئلا يلحقه من الذّم ما لحق هؤلاء. وقال الشاعر:

زوامل للأسفار لا علم عندهمبجيّدها إلا كعِلْم الأباعر
لَعْمرُك ما يدري البعيرُ إذا غَدَابأوساقه أو راح ما في الغرائر

وقال يحيى بن يمان: يكتب أحدهم الحديث ولا يتفّهم ولا يتدبّر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب. وقال الشاعر:

إن الرواة على جهل بما حَمَلوامِثْلُ الجمال عليها يُحمل الوَدَعُ
لا الوَدْع ينفعه حمل الجمال لهولا الجمال بحمل الوَدْع تنتفعُ

وقال منذر بن سعيد الَبلّوطيرحمه الله فأحسن:

انْعِقْ بما شئت تجد أنصارَاوزُمّ أسفاراً تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفارِ يحمله كمثل الحمار
يَحملُ أسفاراً له وما دَرَىإن كان ما فيها صواباً وخطا
إن سُئلوا قالوا كذا رَوَيْناما إن كَذَبْنا ولا أعتديْنا
كبيرهم يصغر عند الحَفْلِلأنه قَلّد أهل الجهل

{ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أي لم يعملوا بها. شبههم ـ والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها ـ بالحمار يحمل كتباً وليس له إلا ثِقْل الحِمل من غير فائدة. و «يحمل» في موضع نصب على الحال؛ أي حاملاً. ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف؛ لأن الحمار كاللئيم. قال:

ولقـد أمُـرُّ على اللئـيم يَسُـبنّي

{ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } المثل الذي ضربناه لهم؛ فحذف المضاف. { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي من سبق في علمه أنه يكون كافراً.