التفاسير

< >
عرض

وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً
٨
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً
٩
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً
١٠
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
-الطلاق

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ } لما ذكر الأحكام ذكر وحذّر مخالفة الأمر، وذكر عُتُوّ قوم وحلول العذاب بهم. وقد مضى القول في «كأين» في «آل عمران» والحمد الله. { عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } أي عصت؛ يعني القرية والمراد أهلها. { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً } أي جازيناها بالعذاب في الدنيا { وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } في الآخرة. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ فعذبناها عذاباً نُكْرا في الدنيا بالجوع والقَحْط والسيف والخَسْف والمَسْخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حساباً شَديداً. والنُّكْر: المنكر. وقرىء مُخَفَّفاً ومُثَقَّلاً؛ وقد مضى في سورة «الكهف». { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } أي عاقبة كفرها { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } أي هلاكاً في الدنيا بما ذكرنا، والآخرة بجهنم. وجيء بلفظ الماضي كقوله تعالى: { { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } [الأعراف:44] ونحو ذلك؛ لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقىً في الحقيقة؛ وما هو كائن فكأن قَد. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } بيّن ذلك الخُسر وأنه عذاب جهنم في الآخرة. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي العقول. { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بدل من «أُولِي الأَلْبَاب» أو نعت لهم؛ أي يا أُولي الألباب الذين آمنتم بالله اتقوا الله الذي أنزل عليكم القرآن؛ أي خافوه واعملوا بطاعته وانتهوا عن معاصيه. وقد تقدم. { رَّسُولاً } قال الزجاج: إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل؛ أي أنزل إليكم قرآناً وأرسل رسولاً. وقيل: إن المعنى قد أنزل الله إليكم صاحب ذكر رسولاً؛ فـ «رسولاً» نعت للذكر على تقدير حذف المضاف. وقيل: إن رسولاً معمول للذكر لأنه مصدر؛ والتقدير: قد أنزل الله إليكم رسولاً. ويكون ذكره الرسول قوله: { { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [الفتح:29]. ويجوز أن يكون «رَسُولاً» بدلا من ذكر، على أن يكون «رَسُولاً» بمعنى رسالة، أو على أن يكون على بابه ويكون محمولا على المعنى، كأنه قال: قد أظهر الله لكم ذكراً رسولاً، فيكون من باب بدل الشيء من الشيء وهو هو. ويجوز أن ينتصب «رَسُولاً» على الإغراء كأنه قال: اتبعوا رسولاً. وقيل: الذكر هنا الشرف، نحو قوله تعالى: { { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء:10]، وقوله تعالى: { { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف:44]، ثم بيّن هذا الشرف فقال: «رَسُولاً». والأكثر على أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الكلبيّ: هو جبريل، فيكونان جميعاً منزلين. { يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } نعت لرسول. و «آياتِ الله» القرآن. { مُبَيِّنَاتٍ } قراءة العامة بفتح الياء؛ أي بيّنها الله. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسرها، أي يبيّن لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام. والأولى قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم، لقوله تعالى: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ }. { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي من سبق له ذلك في علم الله. { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } أي من الكفر. { إِلَى ٱلنُّورِ } الهدى والإيمان. قال ابن عباس: نزلت في مؤمني أهل الكتاب. وأضاف الإخراج إلى الرسول لأن الإيمان يحصل منه بطاعته.

قوله تعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }. قرأ نافع وابن عامر بالنون، والباقون بالياء. { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } أي وسّع الله له في الجنات.