التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
-القلم

الجامع لاحكام القرآن

يعني الأخنس بن شَرِيق؛ في قول الشعبيّ والسُّديّ وٱبن إسحاق. وقيل: الأسود بن عبد يغوث، أو عبد الرحمن بن الأسود؛ قاله مجاهد. وقيل: الوليد بن المغيرة، عرض على النبيّ صلى الله عليه وسلم مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه؛ قاله مقاتل. وقال ابن عباس: هو أبو جهل بن هشام. والحلاّف: الكثير الحَلِف. والمَهِين: الضعيف القلب؛ عن مجاهد. ٱبن عباس: الكذاب. والكذاب مهين. وقيل: المكثار في الشَّر؛ قاله الحسن وقتادة. وقال الكلبيّ: المَهِين الفاجر العاجز. وقيل: معناه الحقير عند الله. وقال ٱبن شجرة: إنه الذليل. الرُّمّاني: المهين الوضيع لإكثاره من القبيح. وهو فعيل من المهانة بمعنى القلة. وهي هنا القلة في الرأي والتمييز. أو هو فعيل بمعنى مُفْعَل؛ والمعنى مُهان. { هَمَّازٍ } قال ابن زيد: الهّماز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم. واللماز باللسان. وقال الحسن: هو الذي يهمز ناحية في المجلس؛ كقوله تعالى: { { هُمَزَة } .[الهمزة:1] وقيل: الهَمّاز الذي يذكر الناس في وجوههم. واللّماز الذي يذكرهم في مغيبهم؛ قاله أبو العالية وعطاء بن أبي رباح والحسن أيضاً. وقال مقاتل ضدّ هذا الكلام: إن الهُمَزَة الذي يغتاب بالغيبة. واللُّمَزَة الذي يغتاب في الوجه. وقال مرّة: هما سواء. وهو القَتّات الطّعّان للمرء إذا غاب. ونحوه عن ابن عباس وقتادة. قال الشاعر:

تُدْلِي بودّ إذا لاقيتني كذباًوإنْ أغِبْ فأنت الهامز اللُّمَزَهْ

{ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ } أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم. يقال: نَمّ يَنِمّ نَمًّا ونَمِيماً ونَمِيمَةً؛ أي يمشي ويسعى بالفساد. وفي صحيح مسلم: عن حُذيفة أنه بلغه أن رجلاً ينمّ الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة نمّام" . وقال الشاعر:

وموْلىً كبيت النمل لا خير عندهلمولاه إلا سَعْيُه بنميم

قال الفرّاء: هما لغتان. وقيل: النَّميم جمع نَميمة. { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } أي للمال أن ينفق في وجوهه. وقال ابن عباس: يمنع عن الإسلام ولده وعشيرته. وقال الحسن: يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبداً. { مُعْتَدٍ } أي على الناس في الظلم، متجاوز للحدّ، صاحب باطل. { أَثِيمٍ } أي ذي إثم، ومعناه أَثُوم، فهو فَعيل بمعنى فعول. { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } العُتُلّ الجافي الشديد في كفره. وقال الكلبيّ والفراء: هو الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: إنه الذي يعتِل الناس فيجرّهم إلى حبس أو عذاب. مأخوذ من العَتْل وهو الجرّ؛ ومنه قوله تعالى: { { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ } .[الدخان:47] وفي الصَّحاح: وعتلت الرجل أعْتِله وأعْتُله إذا جذبته جذباً عنيفاً. ورجل مِعْتَل (بالكسر). وقال يصف فرساً:

نَفْرعه فرعاً ولسنا نَعْتِله

قال ابن السكيت: عَتَله وَعتَنه، باللام والنون جميعاً. والْعُتُلّ الغليظ الجافي. والْعُتُلّ أيضاً: الرمح الغليظ: ورجل عَتِلٌ (بالكسر) بَيِّن العَتَل؛ أي سريع إلى الشر. ويقال: لا أنعتل معك؛ أي لا أبرح مكاني. وقال عُبيد بن عمير: العُتُلّ الأكول الشروب القويّ الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة؛ يدفع المَلَك من أولئك في جهنم بالدُّفعة الواحدة سبعين ألفاً. وقال عليّ بن أبي طالب والحسن: العُتُلّ الفاحش السييء الخلق. وقال مَعْمَر: هو الفاحش اللئيم. قال الشاعر:

بعُتُلّ من الرجال زَنِيمغير ذي نجدة وغير كريم

وفي صحيح مسلم. عن حارثة بن وهب سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ألاَ أخبركم بأهل الجنة ـ قالوا بلى قال ـ كلُّ ضعيف مُتَضَعِّف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار ـ قالوا بلى قال ـ كلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِر" . في رواية عنه "كلُّ جوّاظ زَنيم متكبّر" . الجَوّاظ: قيل هو الجَمُوع المنوع. وقيل الكثير اللحم المختال (في مشيته). وذكر الماوردي عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبد الرحمن بن غنم، ورواه ٱبن مسعود: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة. جَوّاظ ولا جَعْظَرِيّ ولا الْعُتُلّ الزَّنيم. فقال رجل: ما الجوّاظ وما الجَعْظَريّ وما العُتُلّ الزَّنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجوّاظ الذي جَمَع ومَنَع. والجَعْظَرِيّ الغليظ. والعُتُل الزَّنيم الشديد الخَلْق الرّحيب الجوف المصَحَّح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس" . وذكره الثعلبي: عن شدّاد بن أوس: "لا يدخل الجنة جَوّاظ ولا جَعْظَرِيّ ولا عُتُل زنيم" سمعتهن من النبيّ صلى الله عليه وسلم قلت: وما الجوّاظ؟ قال: الجَمَّاع المنّاع. قلت: وما الجَعْظَرِيّ؟ قال: الفَظّ الغليظ. قلت: وما العُتُلّ الزنيم؟ قال: الرّحِيب الجوَفْ الوثَيِر الخْلَق الأكول الشروب الغشوم الظلوم.

قلت: فهذا التفسير من النبيّ صلى الله عليه وسلم في العُتُل قد أربى على أقوال المفسرين. ووقع في كتاب أبي داود في تفسير الجَوّاظ أنه الفظّ الغليظ. ذكره من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة الجَوّاظ ولا الجَعْظَرِيّ" قال: والجوّاظ الفظّ الغليظ. ففيه تفسيران مرفوعان حسب ما ذكرناه أوّلاً. وقد قيل: إنه الجافي القلب. وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تبكي السماء من رجل أصحّ الله جِسْمَه ورحّب جَوْفَه وأعطاه من الدنيا بعضاً فكان للناس ظلوماً فذلك الْعُتُلّ الزنيم. وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تُقِلّه" . والزّنِيم المُلْصَق بالقوم الدَّعيّ؛ عن ابن عباس وغيره. قال الشاعر:

زَنيمٌ تداعاه الرجال زيادةًكما زيد في عَرْضِ الأدِيم الأكارعُ

وعن ابن عباس أيضاً: أنه رجل من قريش كانت له زَنَمة كزنمة الشاة. وروى عنه ابن جُبَير: أنه الذي يُعرف بالشر كما تُعرف الشاة بزنمتها. وقال عِكرِمة: هو اللئيم الذي يُعرف بلؤمه كما تُعرف الشاة بزنمتها. وقيل: إنه الذي يعرف بالأُبنْةِ. وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. وعنه أنه الظلوم. فهذه ستة أقوال. وقال مجاهد: زَنِيم كانت له ستة أصابع في يده، في كل إبهام له إصبع زائدة. وعنه أيضاً وسعيد ابن المسيّب وعكرمة: هو ولد الزّنى الملحق في النسب بالقوم. وكان الوَلِيد دَعِيًّا في قريش ليس من سِنْخهم؛ ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده. قال الشاعر:

زنِيمٌ ليس يُعرف مَن أبوهبغيّ الأُمّ ذو حسب لئيم

وقال حَسَّان:

وأنت زَنِيم نِيط في آل هاشمٍكما نِيط خَلْفَ الراكب القَدَحُ الفَرْدُ

قلت: وهذا هو القول الأول بعينه. وعن عليّ رضي الله عنه أنه الذي لا أصل له؛ والمعنى واحد. وروِي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة وَلَدُ زنىً ولا ولده ولا ولد ولده" . وقال عبد الله بن عمر: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن أولاد الزنى يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير" . وقالت ميمونة: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يَفْشُ فيهم ولدُ الزِّنَى فإذا فَشَا فيهم ولد الزنى أوشكَ أن يعمهم الله بعقاب" . وقال عكرمة: إذا كثر ولد الزنى قحط المَطَرُ.

قلت: أما الحديث الأول والثاني فما أظن لهما سنداً يصح، وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة ففي صحيح مسلم " عن زينب بنت جَحْش زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً فزِعاً مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يقول:لا إلٰه إلا الله. ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب. فُتح اليومَ من رَدْم يأجوج ومأجوج مثلُ هذهوحلّق بإصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت فقلت: يا رسول الله، أَنَهْلِك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثُر الخَبَث" خرّجه البخارِيّ. وكثرة الخبث ظهور الزنى وأولاد الزنى؛ كذا فسّره العلماء. وقول عكرمة «قحط المطر» تبيينٌ لما يكون به الهلاك. وهذا يحتاج إلى توقيف، وهو أعلم من أين قاله. ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة، وكان يُطعم أهلَ مِنىً حَيْساً ثلاثة أيام، وينادي ألاَ لا يوقدنّ أحد تحت بُرْمَةٍ، ألا لا يدخّنن أحد بكُراع، ألا ومن أراد الحَيْس فليأت الوليد بن المغيرة. وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفاً وأكثر، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً فقيل: «مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ». وفيه نزل: { { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت:6-7]. وقال محمد بن إسحاق: نزلت في الأَخْنَس بن شَريق، لأنه حليف مُلْحق في بني زُهْرة، فلذلك سُمِّيَ زَنِيماً. وقال ابن عباس: في هذه الآية نُعِت، فلم يعرف حتى قُتل فعرُف، وكان له زَنَمة في عنقه معلّقة يُعرف بها. وقال مُرّة الهَمْدانيّ: إنما ٱدعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة.