قوله تعالى: { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } أي يتسارّون؛ أي يُخفون كلامهم ويسرونه لئلا يَعلم بهم أحد؛ قاله عطاء وقتادة. وهو من خَفَت يَخْفِت إذا سكن ولم يبيّن. كما قال دُرَيد بن الصِّمَّة:
وإنّيَ لم أهلك سُلالاً ولم أمتخُفَاتاً وكُلاًّ ظَنَّه بِي عُوَّدِي
وقيل: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم. وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضروا وقت الحصاد والصِرَّام. { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } أي على قَصْد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم. قال معناه ابن عباس وغيره. والحَرْد القصدُ. حَرَد يَحْرِد (بالكسر) حَرْدَاً قصد. تقول: حَرَدْتُ حَرْدَك؛ أي قصدت قصدك. ومنه قول الراجز:أقبل سَيْلٌ جاء من عند اللَّهْيَحْرِدُ حَرْدَ الجنة المُغِلَّهْ
أنشده النحاس:قد جاء سيل جاء من أمر اللهيحرد حرد الجنة المغله
قال المبرد: المُغِلّة ذات الغَّلّة. وقال غيره: المغِلّة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها. ومنه تغلّلت بالغالية. ومنه تغلّيت، أبدل من اللام ياء. ومن قال تَغَلّفْت فمعناه عنده جعلتها غِلافاً. وقال قتادة ومجاهد: «عَلَى حْردٍ» أي على جِدّ. الحسن: على حاجة وفاقة. وقال أبو عبيدة والقُتَيبِيّ: على حَرْد على منع؛ من قولهم حَارَدَتِ الإبلُ حِراداً أي قلّت ألبانها. والحَرُود من النُّوق القليلة الدَّرّ. وحاردَتِ السَّنَةُ قلّ مطرها وخيرها. وقال السدّي وسفيان: { عَلَىٰ حَرْدٍ } على غضب. والحرد الغضب. قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي: وهو مخفف؛ وأنشد شعراً:إذا جياد الخيلِ جاءت تَرْدِيمملوءةً من غَضَبٍ وحَرَدِ
وقال ابن السِّكْيت: وقد يحرّك؛ تقول منه: حَرِد (بالكسر) حَرَداً، فهو حارد وحَرْدان. ومنه قيل: أسَدٌ حارِدٌ، ولُيُوثٌ حوارد. وقيل: «عَلَى حَرْدٍ» على انفراد. يقال: حَرَد يَحْرِد حُرُوداً؛ أي تنَحىَّ عن قومه ونزل منفرداً ولم يخالطهم. وقال أبو زيد: رجل حِريد من قوم حرداء. وقد حَرَد يَحْرِد حُروداً؛ إذا ترك قومه وتحوّل عنهم. وكوكب حَرِيد؛ أي معتزل عن الكواكب. قال الأصمعيّ: رجل حَرِيد؛ أي فريد وحيد. قال: والمُنْحرِد المنفرد في لغة هُذَيل. وأنشد لأبي ذؤيب:كأنه كوكب في الجَوّ مُنْحَرِد
ورواه أبو عمرو بالجيم، وفسّره: منفرد. قال: وهو سهيل. وقال الأزهريّ: حَرْد ٱسم قريتهم. السُّديّ: اسم جنتهم؛ وفيه لغتان: حَرْدٌ وحَرَد. وقرأ العامة بالإسكان. وقرأ أبو العالية وٱبن السَّمَيْقَع بالفتح؛ وهما لغتان. ومعنى «قَادِرِين» قد قدّروا أمرهم وبَنَوْا عليه؛ قاله الفرّاء. وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم. وقال الشعبيّ: «قَادِرِينَ» يعني على المساكين. وقيل: معناه من الوجود؛ أي منعوا وهم واجدون.