التفاسير

< >
عرض

إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
٣٨
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
٣٩
-القلم

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } تقدم القول فيه؛ أي إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص، لا يشوبه ما ينغّصه كما يشوب جنات الدنيا. وكان صناديد قريش يرون وفور حظّهم من الدنيا وقلّة حظوظ المسلمين منها؛ فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المؤمنين قالوا: إن صَحَّ أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا. فقال: { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } أي كالكفار. وقال ٱبن عباس وغيره: قالت كفار مكة: إنا نُعطَى في الآخرة خيراً مما تُعْطَوْن؛ فنزلت { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } ثم وبخهم فقال: { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج؛ كأن أمر الجزاء مفوّض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أن لكم من الخير ما للمسلمين. { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } أي ألكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي. { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } تختارون وتشتهون. والمعنى: أَنّ لكم (بالفتح) ولكنه كسر لدخول اللام؛ تقول علمت أنك عاقل (بالفتح)، وعلمت إنك لعاقل (بالكسر). فالعامل في { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } { تَدْرُسُونَ } في المعنى. ومنعت اللام من فتح «إن». وقيل: تم الكلام عند قوله: { تَدْرُسُونَ } ثم ابتدأ فقال: { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي إن لكم في هذا الكتاب إذاً ما تخيرون؛ أي ليس لكم ذلك. والكناية في «فيه» الأولى والثانية راجعة إلى الكتاب. ثم زاد في التوبيخ فقال: { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } أي عهود ومواثيق. { عَلَيْنَا بَالِغَةٌ } مؤكدة. والبالغة المؤكّدة بالله تعالى. أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة. { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } كُسرت «إن» لدخول اللام في الخبر. وهي من صلة «أيمان»، والموضع النصب ولكن كسرت لأجل اللام؛ تقول: حلفت إن لك لكذا. وقيل: تم الكلام عند قوله: { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ثم قال: { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } إذاً؛ أي ليس الأمر كذلك. وقرأ ٱبن هُرْمُز «أَيْنَ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تخّيرون» «أين لكم لَمَا تحكمون»؛ بالاستفهام فيهما جميعاً. وقرأ الحسن البصري «بالغةً» بالنصب على الحال؛ إما من الضمير في «لكم» لأنه خبر عن «أيمان» ففيه ضمير منه. وإما من الضمير في «عَلَيْنَا» إن قدّرت «علينا» وصفاً للأيمان لا متعلقاً بنفس الأيمان؛ لأن فيه ضميراً منه، كما يكون إذا كان خبراً عنه. ويجوز أن يكون حالاً من «أيمان» وإن كانت نكرة، كما أجازوا نصب «حَقًّا» على الحال من «متاع» في قوله تعالى: { { مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } .[البقرة:241] وقرأ العامة «بالغةٌ» بالرفع نعت لـ «ـأيمان».