التفاسير

< >
عرض

فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٤
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
٤٥
-القلم

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَذَرْنِي } أي دَعْنِي. { وَمَن يُكَذِّبُ } «مَنْ» مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم. { بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن؛ قاله السدّيّ. وقيل: يوم القيامة. وهذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم. ثم قال: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون؛ فعُذّبوا يوم بَدْر. وقال سفيان الثَّوْريّ: نُسبغ عليهم النعم ونُنسيهم الشكر. وقال الحسن: كم مستدرَج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالسّتر عليه. وقال أبو رَوْق: أي كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار. وقال ابن عباس: سنمكر بهم. وقيل: هو أن نأخذهم قليلاً ولا نباغتهم. وفي حديث "أن رجلاً من بني إسرائيل قال يا ربّ كم أعصيك وأنت لا تعاقبني ـ قال ـ فأوحى الله إلى نبيّ زمانهم أن قل له كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر. إن جمود عينيك وقَسَاوَةَ قلبك استدراجٌ منيّ وعقوبةٌ لو عَقَلت" . والاستدراج: ترك المعاجلة. وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرّج. ومنه قيل درجة؛ وهي منزلة بعد منزلة. واستدرج فلان فلاناً؛ أي استخرج ما عنده قليلاً. ويقال: درّجه إلى كذا واستدرجه بمعنًى؛ (أي) أدناه منه على التدريج فتدرّج هو. { وَأُمْلِي لَهُمْ } أي أمهلهم وأطيل لهم المدّة. والملاوة: المُدة من الدهر. وأملى الله له أي أطال له. والملَوان: الليل والنهار. وقيل: { وَأُمْلِي لَهُمْ } أي لا أعاجلهم بالموت؛ والمعنى واحد. وقد مضى في «الأعراف» بيان هذا. { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي إن عذابي لقوِيّ شديد فلا يفوتني أحد.