التفاسير

< >
عرض

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١٥
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ
١٦
وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
-الحاقة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي قامت القيامة. { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } أي ٱنصدعتْ وتفطّرت. وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة؛ دليله قوله تعالى: { { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [الفرقان:25] وقد تقدم. { فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } أي ضعيفة. يقال: وَهَى البناء يَهِي وَهْياً فهو واهٍ إذا ضَعُف جدًّا. ويقال: كلامٌ وَاهٍ؛ أي ضعيف. فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوَهْي؛ ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا. وقيل: لهول يوم القيامة. وقيل: { وَاهِيَةٌ } أي متخرّقة؛ قاله ابن شجرة. مأخوذ من قولهم: وهَى السقاء إذا تخرّق. ومن أمثالهم:

خَلِّ سبيلَ من وَهَى سِقاؤهومن هُرِيق بالفلاة ماؤه

أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. { وَٱلْمَلَكُ } يعني الملائكة؛ اسم للجنس. { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } أي على أطرافها حين تنشق؛ لأن السماء مكانهم؛ عن ابن عباس. الماوردِيّ: ولعله قول مجاهد وقتادة. وحكاه الثعلبيّ عن الضحاك، قال: على أطرافها مما لم ينشق منها. يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها. وقال سعيد بن جُبَير: المعنى والمَلَكُ على حافات الدنيا؛ أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها. وقيل: إذا صارت السماء قِطَعاً تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها. وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم؛ فَينِدُّوا كما تَنِدّ الإبل، فلا يأتون قُطْراً من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا. وقيل: { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السَّوق إليها، وفي أهل الجنة من التّحية والكرامة. وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جُبير. ويدل عليه: { { وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } وقوله تعالى: { { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الرحمن:33] على ما بيناه هناك. والأرجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رَجاً مقصور، وتثنيته رَجَوان؛ مثل عَصاً وعَصَوان. قال الشاعر:

فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوَان أنّيأقلُّ القومِ مَن يُغْنِي مكانِي

ويقال ذلك لحرف البئر والقبر.

قوله تعالى: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم "أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية" . ذكره الثعلبيّ. وخَرّجه الماورديّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية" . وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: "إن لكل مَلَك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثَوْر ووجه نَسْر وكلّ وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس" . ولما أنشد بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم قولُ أُميَّة بن أبي الصَّلْت:

رَجُلٌ وثَوْرٌ تحت رِجل يمينهوالنَّسْرٌ للآخرى ولَيْثٌ مُرْصَدُ
والشمس تطلع كلّ آخر ليلةٍحمراء يُصبح لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ
ليست بطالعة لهم في رِسْلِهاإلاّ مُعَذّبةً وإلاّ تُجْلَدُ

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَق" . في الخبر «أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش». ذكره القشيريّ وخرّجه الترمذيّ من حديث العباس بن عبد المطلب. وقد مضى في سورة «البقرة» بكماله. وذكر نحوه الثعلبيّ ولَفْظه. وفي حديث مرفوع: "أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاماً للطائر المسرع" . وفي تفسير الكلبيّ: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة. وعنه: ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة. ثم ذكر عدّة الملائكة بما يطول ذكره. حكى الأوّل عنه الثعلبيّ والثاني القشيريّ. وقال الماورديّ عن ابن عباس: ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكَرُوبِيّون. والمعنى ينزل بالعرش. ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت، وليس البيت للسكنى، فكذلك العرش. ومعنى: «فَوْقَهُمْ» أي فوق رؤوسهم. قال السُّدِّيّ: العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم ولا يحمل حملة العرش إلا الله. وقيل: «فَوْقَهُمْ» أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها. وقيل: «فَوْقَهُمْ» أي فوق أهل القيامة.