التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٩٤
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ
١٩٦
-الأعراف

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } حاجّهم في عبادة الأصنام «تَدْعُونَ» تعبدون. وقيل: تدعونها آلهة. «مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي من غير الله. وسميت الأوثان عِباداً لأنها مملوكة لله مسخّرة. الحسن: المعنى أن الأصنام مخلوقة أمثالكم. ولما اعتقد المشركون أن الأصنام تضر وتنفع أجراها مجرى الناس فقال: { فَٱدْعُوهُمْ } ولم يقل فٱدعوهن. وقال: «عِبَادٌ»، وقال: «إنَّ الّذِينَ» ولم يقل إنّ الَّتي. ومعنى «فَٱدْعُوهُمْ» أي فاطلبوا منهم النفع والضر. { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أن عبادة الأصنام تنفع. وقال ابن عباس: معنى فادعوهم فٱعبدوهم. ثم وَبّخهم الله تعالى وسَفّه عقولهم فقال: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } الآية. أي أنتم أفضل منهم فكيف تعبدونهم. والغرض بيان جهلهم؛ لأنّ المعبود يتصف بالجوارح. وقرأ سعيد بن جبير: «إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم» بتخفيف «إن» وكسرها لالتقاء الساكنين، ونصب «عبَاداً» بالتنوين، «أمثالَكم» بالنصب. والمعنى: ما الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم، أي هي حجارة وخشب؛ فأنتم تعبدون ما أنتم أشرف منه. قال النحاس: وهذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها من ثلاث جهات: أحدها ـ أنها مخالفة للسّواد. والثانية ـ أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ إذا كانت بمعنى ما، فيقول: إنْ زيد منطلق؛ لأن عمل «ما» ضعيف، و «إنْ» بمعناها فهي أضعف منها. والثالثة ـ إن الكسائيّ زعم أن «إنْ» لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى «ما»، إلا أن يكون بعدها إيجاب؛ كما قال عز وجل: { إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ }. «فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» الأصل أن تكون اللام مكسورة، فحذفت الكسرة لثقلها. ثم قيل: في الكلام حذف، المعنى: فادعوهم إلى أن يتّبعوكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أنهم آلهة. وقرأ أبو جعفر وشيبة { أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ } بضم الطاء، وهي لغة. واليد والرجل والأُذن مؤنثات يُصَغَّرْن بالهاء. وتزاد في اليد ياء في التصغير، تردّ إلى أصلها فيقال: يُدَيّة بالتشديد لاجتماع الياءين.

قوله تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } أي الأصنام. { ثُمَّ كِيدُونِ } أنتم وهي. { فَلاَ تُنظِرُونِ } أي فلا تؤخرون. والأصل «كِيدُونِي» حذفت الياء لأن الكسرة تدل عليها. وكذا «فَلاَ تُنْظِرُونِ». والكيد المكر. والكيد الحرب؛ يقال: غزا فلم يلق كيداً. { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } أي الذي يتولَّى نصري وحفظي اللَّهُ. وولِيُّ الشيءِ: الذي يحفظه ويمنع عنه الضرر. والكتاب: القرآن. { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } أي يحفظهم. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: "ألا إنّ آل أبي ـ يعني فلاناً ـ ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّي اللَّهُ وصالح المؤمنين" . وقال الأخفش: وقرىء «إنّ ولِيِّ اللَّهِ الذي نزّل الكتابَ» يعني جبريل. النحاس. هي قراءة عاصم الجَحْدَرِيّ. والقراءة الأُولى أبْيَن؛ لقوله: { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ }.