التفاسير

< >
عرض

يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
١١
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
١٢
وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ
١٣
وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ
١٤
-المعارج

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { يُبَصَّرُونَهُمْ } أي يرونهم. وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس. فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم. وقال ابن عباس: يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة. وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفِرّون من المعارف مخافة المظالم. وقال ابن عباس أيضاً: { يُبَصَّرُونَهُمْ } يبصر بعضهم بعضاً فيتعارفون ثم يفرّ بعضهم من بعض. فالضمير في { يُبَصَّرُونَهُمْ } على هذا للكفار، والميم للأقرباء. وقال مجاهد: المعنى يبصّر الله المؤمنين الكفار في يوم القيامة؛ فالضمير في يبصرونهم للمؤمنين، والهاء والميم للكفار. ابن زيد: المعنى يبصر الله الكفار في النار الذين أضلّوهم في الدنيا؛ فالضمير في «يُبَصَّرُونَهُمْ» للتابعين، والهاء والميم للمتبوعين. وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله وقيل «يبصرونهم» يرجع إلى الملائكة؛ أي يعرفون أحوال الناس فيسوقون كلّ فريق إلى ما يليق بهم. وتم الكلام عند قوله: { يُبَصَّرُونَهُمْ }. ثم قال: { يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ } أي يتمنى الكافر. { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } يعني من عذاب جهنم بأعزّ من كان عليه في الدنيا من أقاربه فلا يقدر. ثم ذكرهم فقال: { بِبَنِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ } وزوجته. { وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ } أي عشيرته. { ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } تنصره؛ قاله مجاهد وابن زيد. وقال مالك: أمّه التي تُرَبِّيه. حكاه الماورديّ ورواه عنه أشهب. وقال أبو عبيدة: الفصِيلة دون القبيلة. وقال ثعلب: هم آباؤه الأدنون. وقال المبرد: الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهي دون القبِيلة. وسُمِّيت عتْرة الرجل فصيلتَه تشبيهاً بالبعض منه. وقد مضى في سورة «الحجرات» القول في القبيلة وغيرها. وهنا مسألة، وهي: إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على العشِيرة، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء؛ الأدنى فالأدنى. والأوّل أكثر في النطق. والله أعلم. ومعنى: «تُؤْويه» تضمه وتؤمّنه من خوف إن كان به. { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي ويَوَدّ لوفُدِي بهم لافتدى { ثُمَّ يُنجِيهِ } أي يخلصه ذلك الفداء. فلا بد من هذا الاضمار، كقوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } أي وإن أكله لَفِسق. وقيل: «يَوَدُّ الْمُجرِمُ» يقتضي جواباً بالفاء؛ كقوله: { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }. والجواب في هذه الآية «ثُمَّ يُنْجِيِه» لأنها من حروف العطف؛ أي يَوّد المجرم لو يفتدى فينجيه الافتداء.