التفاسير

< >
عرض

فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً
١٠
يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً
١١
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً
١٢
-نوح

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } وهذا منه ترغيب في التوبة. وقد روى حُذَيفة بن اليمان: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الاستغفار ممحاة للذنوب" . وقال الفُضيل: يقول العبد أستغفر الله، وتفسيرها أقِلْنِي.

الثانية: قوله تعالى: { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } أي يرسل ماء السماء، ففيه إضمار. وقيل: السماء المطر، أي يرسل المطر. قال الشاعر:

إذا سقط السماءُ بأرضِ قومعيناه وإن كانوا غِضاباً

و«مِدْراراً» ذَا غَيْث كثير. وجزم «يُرْسِل» جواباً للأمر. وقال مقاتل: لما كذَّبوا نوحاً زماناً طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به. فقال: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه. ثم قال ترغيباً في الإيمان: { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }. قال قتادة: علم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: "هَلُمّوا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة" .

الثالثة: في هذه الآية والتي في «هود» دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. قال الشعبيّ: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيتَ؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: «اسْتَغْفِرُوا ربَّكُمْ إنه كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً». وقال الأوزاعيّ: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: { { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [التوبة:91] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وٱرحمنا واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقُوا. وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة «نوح»: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }. وقد مضى في سورة «آل عمران» كيفية الاستغفار، وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب. وهو الأصل في الإجابة.