التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً
١٣
وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً
١٤
وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً
١٥
-الجن

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } يعني القرآن { آمَنَّا بِهِ } وبالله، وصدّقنا محمداً صلى الله عليه وسلم على رسالته. وكان صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجنّ. قال الحسن: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجنّ، ولم يبعث الله تعالى قطُّ رسولاً من الجنّ، ولا من أهل البادية، ولا من النساء؛ وذلك قوله تعالى: { { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [يوسف: 109] وقد تقدم هذا المعنى. وفي الصحيح: "وبُعثت إلى الأحمر والأسود" أي الإنس والجنّ. { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } قال ٱبن عباس: لا يخاف أن يُنْقَص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته؛ لأن البخس النقصان، والرَّهَق: العدوان وغشيان المحارم؛ قال الأعشى:

لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِن دُونِ رُؤْيَتِهَاهل يَشْتَفِي وَامِقٌ مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقاً

الوامق: المحبّ؛ وقد وَمِقَه يَمِقه بالكسر أي أحبّه، فهو وامق. وهذا قول حكاه الله تعالى عن الجِنّ؛ لقوّة إيمانهم وصحة إسلامهم. وقراءة العامة «فَلاَ يَخَافُ» رفعاً على تقدير فإنه لا يخاف. وقرأ الأعمش ويحيـى وإبراهيم «فَلاَ يَخَفْ» جزماً على جواب الشرط وإلغاء الفاء.

قوله تعالى: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي وأنّا بعد ٱستماع القرآن مختلفون، فمنّا من أسلم ومنّا من كفر. والقاسط: الجائر، لأنه عادل عن الحقّ، والمُقْسِط: العادل؛ لأنه عادل إلى الحق؛ [يقال:] قسط: أي جار، وأقسط: إذا عدل؛ قال الشاعر:

قومٌ هُمُ قتلوا ٱبنَ هِندٍ عَنْوَةًعَمْراً وهم قَسَطُوا على النُّعْمَانِ

قوله تعالى: { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي قصدوا طريق الحق وتوخَّوه ومنه تحرّى القِبلةِ { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي الجائرون عن طريق الحقّ والإيمان { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي وَقوداً. وقوله: «فَكَانُوا» أي في علم الله تعالى.