التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً
٢٢
إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً
٢٣
حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً
٢٤
قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً
٢٥
-الجن

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } أي لا يدفع عذابه عني أحد إن ٱستحفظته؛ وهذا لأنهم قالوا ٱترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك. وروى أبو الْجَوْزاء "عن ٱبن مسعود قال: ٱنطلقت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ حتى أتى الحَجُون فخطّ عليّ خطًّا، ثم تقدّم إليهم فٱزدحموا عليه، فقال سيّدهم يقال له وَرْدان: أنا أَزْجُلهم عنك؛ فقال: { إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ }" ذكره الماورديّ. قال: ويحتمل معنيين أحدهما لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد. الثاني لن يجيرني مما قدره الله تعالى عليّ أحد. { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي ملتجأً ألجأ إليه؛ قاله قتادة. وعنه: نصيراً ومولىً. السُّديّ: حِرزاً. الكَلْبي: مَدْخلاً في الأرض مثل السَّرَب. وقيل: وليًّا ولا مولَى. وقيل؛ مذهباً ولا مسلكاً. حكاه ٱبن شجرة، والمعنى واحد؛ ومنه قول الشاعر:

يا لَهْفَ نفسي ولَهْفِي غيرُ مجِديةٍعَنِّي وما مِن قَضاءِ اللَّهِ مُلْتَحَدُ

{ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } فإن فيه الأمان والنجاة؛ قاله الحسن. وقال قتادة: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ } فذلك الذي أملكه بتوفيق الله، فأما الكفر والإيمان فلا أملكهما. فعلى هذا يكون مردوداً إلى قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } أي لا أملك لكم إلا أن أبلغكم. وقيل: هو ٱستثناء منقطع من قوله: { لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } أي إِلا أن أبلغكم أي لكن أبلغكم ما أرسلت به؛ قاله الفراء. وقال الزجاج: هو منصوب على البدل من قوله: «مُلْتَحَداً» أي { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } إلا أن أبلغ ما يأتيني من الله ورسالاته؛ أي ومن رسالاته التي أمرني بتبليغها. أو إلا أن أبلغ عن الله وأعمل برسالته، فآخذ نفسي بما آمر به غيري. وقيل هو مصدر، و«لا» بمعنى لم، و«إن» للشرط. والمعنى لن أجد من دونه ملتحداً: أي إن لم أبلغ رسالات ربي بلاغا.

قوله تعالى: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في التوحيد والعبادة. { فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } كسرت إن لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ٱبتداء وقد تقدم. { خَالِدِينَ فِيهَآ } نصب على الحال، وجمع «خَالِدِينَ» لأن المعنى لكل من فعل ذلك، فوحد أوّلاً للفظ «مَن» ثم جمع للمعنى. وقوله { أَبَداً } دليل على أن العصيان هنا هو الشرك. وقيل: هو المعاصي غير الشرك، ويكون معنى { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } إلا أن أعفو أو تلحقهم شفاعة، ولا محالة إذا خرجوا من الدنيا على الإيمان يلحقهم العفو. وقد مضى هذا المعنى مبيّناً في سورة «النساء» وغيرها.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } «حَتَّى» هنا مبتدأ، أي { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } من عذاب الآخرة، أو ما يوعدون من عذاب الدنيا، وهو القتل ببدر { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً } أهم أم المؤمنون. { وَأَقَلُّ عَدَداً } معطوف.

قوله تعالى: { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } يعني قيام الساعة. وقيل: عذاب الدنيا؛ أي لا أدري فـ«ـإن» بمعنى «ما» أو «لا»؛ أي لا يعرف وقت نزول العذاب ووقت قيام الساعة إلا الله؛ فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعرفنيه الله. و«ما» في قوله: «مَا يُوعَدُونَ»: يجوز أن يكون مع الفعل مصدراً، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ويقدّر حرف العائد. { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } أي غاية وأجلاً. وقرأ العامة بإسكان الياء من ربي. وقرأ الحِرْميان وأبو عمرو بالفتح.