التفاسير

< >
عرض

إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً
١٢
وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً
١٣
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً
١٤
-المزمل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } الأنكال: القيود. عن الحسن ومجاهد وغيرهما. واحدها نِكْل، وهو ما منع الإنسان من الحركة. وقيل سمّي نِكلاً، لأنه يُنَكَّل به. قال الشعبيّ: أترون أن الله تعالى جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا؟ لا والله! ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا ٱسْتَفَلت بهم. وقال الكلبيّ: الأنكال: الأغلال، والأوّل أعرف في اللغة؛ ومنه قول الخنساء:

دَعاكَ فَقَطَّعْتَ أنْكَالَهوقَدْ كُنَّ قَبْلَكَ لا تُقْطَعُ

وقيل: إنه أنواع العذاب الشديد؛ قاله مقاتل. وقد جاء أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحبّ النَّكَل على النَّكَل - بالتحريك، قاله الجوهريّ - قيل: وما النَّكَل؟ قال: الرجل القويّ المجَّرب، على الفرس القويّ المجَّرب" ذكره الماورديّ. قال: ومن ذلك سمي القيد نِكْلاً لقوته، وكذلك الغُلّ، وكل عذاب قوي فٱشتد. والجحيم النار المؤجَّجة. { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } أي غير سائغ؛ يأخذ بالحلق، لا هو نازل ولا هو خارج، وهو الغِسلِين والزُّقوم والضّريع؛ قاله ٱبن عباس. وعنه أيضاً: أنه شوك يدخل الحلق، فلا ينزل ولا يخرج. وقال الزجاج: أي طعامهم الضّريع؛ كما قال: { { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [الغاشية: 6] وهو شوك كالعَوْسَج. وقال مجاهد: هو الزَّقوم، كما قال: { { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } [الدخان: 44]. والمعنى واحد. وقال حُمْران بن أَعْيَن: "قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً. وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } فصعق" . وقال خُلَيد بن حسان: أمسى الحسن عندنا صائماً، فأتيته بطعام فعرضتْ له هذه الآية { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } { وَطَعَاماً } فقال: ٱرفع طعامك. فلما كانت الثانية أتيته بطعام فعرضت له هذه الآية، فقال: ٱرفعوه. ومثله في الثالثة؛ فٱنطلق ٱبنه إلى ثابت البُنَاني ويزيدَ الضَّبيّ ويحيى البكّاء فحدّثهم، فجاؤوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سَوِيق. والغُّصَة: الشَّجا، وهو ما يَنَشب في الحلق من عَظْم أو غيره، وجمعها غُصَصٌ. والغَصَصُ بالفتح مصدر قولك: غَصِصْتَ يا رجل تَغَصّ، فأنت غاصّ بالطعام وغصّان، وأغصصته أنا، والمنزل غاصّ بالقوم أي ممتليء بهم.

قوله تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } أي تتحرّك وتضطرب بمن عليها. وٱنتصب «يوم» على الظرف أي ينكل بهم ويعذّبون { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ }.وقيل: بنزع الخافض؛ يعني هذه العقوبة في يوم ترجف الأرض والجبال. وقيل: العامل «ذَرْنِي» أي وذرني والمكذبين يوم ترجُف الأرض والجبال. { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } أي وتكون. والكثيب الرمل المجتمع ـ قال حسان:

عَرَفْتُ دِيار زَيْنَبَ بالْكَثِيبِكَخَطِّ الْوَحْيِ في الْوَرَقِ الْقَشِيبِ

والمَهِيل: الذي يمرّ تحت الأرجل. قال الضحاك والكلبيّ: المهيل: هو الذي إذا وطئته بالقدم زلّ من تحتها، وإذا أخذت أسفله ٱنهال. وقال ٱبن عباس: «مَهِيلاً» أي رملاً سائلاً متناثراً. وأصله مَهْيول وهو مَفْعول من قولك: هِلْت عليه التراب أَهِيله هيلاً: إذا صببته. يقال: مَهِيل ومَهْيول، ومَكِيل ومَكْيول، ومَدِين ومَدْيون، ومَعِين ومَعْيون؛ قال الشاعر:

قد كان قَوْمُك يَحْسَبونَكَ سَيِّداًوإِخَالُ أَنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ

وفي حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم "أنهم شكوا إليه الجدُوبة؛ فقال: أَتكيلون أم تَهِيلون قالوا: نَهِيل. قال كِيلوا طعامكم يُبَارَكْ لكم فيه" . وأَهَلْت الدقيق لغة في هِلْت فهو مُهال ومَهِيل. وإنما حذفت الواو، لأن الياء تثقل فيها الضمة، فحذفت فسكنت هي والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين.