التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ
١
قُمْ فَأَنذِرْ
٢
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
٣
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
٤
-المدثر

الجامع لاحكام القرآن

فيه ست مسائل:

الأولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي يا ذا الذي قد تدثّر بثيابه، أي تغشَّي بها ونام، وأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما. وقرأ أبَيّ «الْمُتَدثّر» على الأصل. وقال مقاتل: معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُحدِّث ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فَترة الوحي ـ قال في حديثه: "فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي، فإذا المَلَك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض" . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فجُئِثْتُ منه فَرَقاً، فرجعت فقلت زمّلوني زمّلوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }" في رواية ـ قبل أن تفرض الصلاة ـ وهي الأوثان قال: "ثم تتابع الوحي" . خرجه الترمذي أيضاً وقال: حديث حسن صحيح. قال مسلم: وحدّثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا الوليد ابن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعيّ قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: أيُّ القرآن أنزل قبلُ؟ قال: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } فقلت: أو «ٱقرأ». فقال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبلُ؟ قال: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } فقلت: أو «ٱقرأ» فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "جاورت بحِراء شهراً، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرا أحداً، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحداً، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء ـ يعني جبريل صلى الله عليه وسلم ـ فأخذتني رَجْفةٌ شديدةٌ، فأتيت خديجة فقلت دثِّروني، فدثَّروني فصبُّوا عليّ ماء، فأنزل الله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } " .خرجه البخاريّ وقال فيه: "فأتيت خديجة فقلت دثِّروني وصُبُّوا عليّ ماءً بارداً، فدثَّروني وصَبُّوا عليّ ماءً بارداً فنزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ }" . ٱبن العربيّ: وقد قال بعض المفسرين إنه جرى على النبيّ صلى الله عليه وسلم من عُقْبة بن ربيعة أمر، فرجع إلى منزله مغموماً، فقَلِق وٱضطجع، فنزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } وهذا باطل. وقال القشيريّ أبو نصر: وقيل بلغه قولُ كفار مكة أنت ساحر، فوجِد من ذلك غمًّا وحُمَّ، فتدثَّر بثيابه، فقال الله تعالى: { قُمْ فَأَنذِرْ } أي لا تفكر في قولهم، وبلغهم الرسالة. وقيل: ٱجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وأميّة بن خلف والعاص بن وائل ومُطعِم بن عديّ وقالوا: قد ٱجتمعت وفود العرب في أيام الحج، وهم يتساءلون عن أمر محمد، وقد ٱختلفتم في الإخبار عنه؛ فمن قائل يقول مجنون، وآخر يقول كاهن، وآخر يقول شاعر، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد، فسمّوا محمداً باسم واحد يجتمعون عليه، وتسميه العرب به، فقام منهم رجل فقال: شاعر؛ فقال الوليد: سمعت كلام ٱبن الأبرص، وأمية بن أبي الصَّلْت، وما يشبه كلامُ محمدٍ كلاَم واحد منهما؛ فقالوا: كاهن. فقال: الكاهن يَصدُق ويكذِب وما كَذَب محمد قطّ؛ فقام آخر فقال: مجنون؛ فقال الوليد: المجنون يَخنُق الناس وما خَنَق محمد قطّ. وٱنصرف الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ الوليد بن المغيرة؛ فدخل عليه أبو جهل وقال: مالك يا أبا عبد شمس! هذه قريش تجمع لك شيئاً يعطونكه، زعموا أنك قد ٱحتجت وصبأت. فقال الوليد: مالي إلى ذلك حاجة، ولكني فكرت في محمد، فقلت: ما يكون من الساحر؟ فقيل: يفرق بين الأب وٱبنه، وبين الأخ وأخيه، وبين المرأة وزوجها، فقلتُ: إنه ساحر. شاع هذا في الناس وصاحوا يقولون: إن محمداً ساحر. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته محزوناً فتدثر بقطيفة، ونزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ }. وقال عكرمة: معنى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي المدَّثر بالنبوّة وأثقالها. ٱبن العربي: وهذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد. وعلى أنها أوّل القرآن لم يكن تمكن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل.

الثانية ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ }: ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله، وعبّر عنه بصفته، ولم يقل يا محمد ويا فلان، ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم في سورة «المزمل». ومثله "قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ إذ نام في المسجد: قم أبا تراب" وكان خرج مغاضباً لفاطمة رضي الله عنها فسقط رداؤه وأصابه ترابه؛ خرجه مسلم. ومثله "قوله عليه الصلاة والسلام لحذيفة ليلة الخندق: قم يا نَوْمان" وقد تقدّم.

الثالثة ـ قوله تعالى: { قُمْ فَأَنذِرْ } أي خوّف أهل مكة وحذِّرهم العذاب إن لم يُسلِموا. وقيل: الإنذار هنا إعلامهم بنبوّته؛ لأنه مقدمة الرسالة. وقيل: هو دعاؤهم إلى التوحيد؛ لأنه المقصود بها. وقال الفراء: قم فصلّ وأمر بالصلاة.

الرابعة ـ قوله تعالى: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي سيّدك ومالكك ومصلح أمرك فعظّم، وصِفْه بأنه أكبر من أن يكون له صاحبة أو ولد. وفي حديث أنهم قالوا: بِم تُفتتَح الصلاة؟ فنزلت: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي وصفْه بأنه أكبر. قال ٱبن العربيّ: وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة، فإنه مراد به التكبير والتقديس والتنزيه، لخلع الأنداد والأصنام دونه، ولا تتخذ وليًّا غيره، ولا تعبد سواه، ولا ترى لغيره فعلاً إلا له، ولا نعمة إلا منه. وقد روي "أن أبا سفيان قال يوم أُحد: ٱعلُ هُبَل؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: قولوا الله أعلى وأجّل" وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها أذاناً وصلاة وذكراً بقوله: "الله أكبر" وحمل عليه لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم الوارد على الإطلاق في موارد؛ منها قوله: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" والشرع يقتضي بعرفه ما يَقْتضي بعمومه، ومن موارده أوقات الإهلال بالذبائح لله تخليصاً له من الشِّرك، وإعلاناً باسمه في النُّسك، وإفراداً لما شرع منه لأمره بالسَّفْك.

قلت: قد تقدّم في أوّل سورة «البقرة» أن هذا اللفظ «الله أكبر» هو المتعبد به في الصلاة، المنقول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي التفسير: أنه لما نزل قوله تعالى: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "الله أكبر" فكبّرت خديجة، وعلمت أنه الوحي من الله تعالى؛ ذكره القشيريّ.

الخامسة ـ الفاء في قوله تعالى: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } دخلت على معنى جواب الجزاء كما دلت في «فَأَنْذِرْ» أي قم فأنذر وقم فكبر ربك؛ قاله الزجاج. وقال ٱبن جنّي: هو كقولك زيداً فاضرب؛ أي زيداً ٱضرب، فالفاء زئداة. السادسة ـ قوله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } فيه ثمانية أقوال: أحدهما أن المراد بالثياب العمل. الثاني القلب. الثالث النفس. الرابع الجسم. الخامس الأهل. السادس الخلق. السابع الدين. الثامن الثياب الملبوسات على الظاهر. فمن ذهب إلى القول الأوّل قال: تأويل الآية وعملك فأصلح؛ قاله مجاهد وٱبن زيد. وروى منصور عن أبي رَزِين قال: يقول وعملك فأصلح؛ قال: وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا إن فلاناً خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا إن فلاناً طاهر الثياب؛ ونحوه عن السُّديّ. ومنه قول الشاعر:

لا هُمَّ إنّ عامَر بن جَهْمِأَوْذَمَ حَجًّا في ثِيابٍ دُسْمِ

ومنه ما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُحشَر المرءُ في ثوبيه اللذين مات عليهما" يعني عمله الصالح والطالح؛ ذكره الماورديّ. ومن ذهب إلى القول الثاني قال: إن تأويل الآية وقلبك فطهِّر؛ قاله ٱبن عباس وسعيد بن جُبير؛ دليله قول ٱمريء القيس:

فَسُلِّـي ثيابـي مـن ثيابـك تَنْسُـلِ

أي قلبي من قلبك. قال الماوردي: ولهم في تأويل الآية وجهان: أحدهما ـ معناه وقلبك فطهّر من الإثم والمعاصي؛ قاله ٱبن عباس وقتادة. الثاني ـ وقلبك فطهر من الغدر؛ أي لا تغدر فتكون دنس الثياب. وهذا مرويّ عن ٱبن عباس، وٱستشهد بقول غيلان بن سلمة الثقفيّ:

فإني بحمد الله لا ثوبَ فاجِرلبِستُ ولا مِن غَدْرَةٍ أَتَقنَّعُ

ومن ذهب إلى القول الثالث قال: تأويل الآية ونفسك فطهر؛ أي من الذنوب. والعرب تكني عن النفس بالثياب؛ قاله ٱبن عباس. ومنه قول عنترة:

فَشَكَكْتُ بالرُّمْح الطَّوِيلِ ثيابَهُليس الكريمُ على القنا بُمَحرَّمِ

وقال ٱمرؤ القيس:

فَسُلِّـي ثيابِـي مـن ثيابِـك تَنْسُـلِ

وقال:

ثِيابُ بَني عوفٍ طَهارَى نِقيَّةٌوأَوْجُهُهُمْ بيضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ

أي أنفس بني عوف. ومن ذهب إلى القول الرابع قال: تأويل الآية وجسمك فطهر؛ أي عن المعاصي الظاهرة. ومما جاء عن العرب في الكناية عن الجسم بالثياب قول ليلى، وذكرت إبلاً:

رموها بأَثيْابٍ خِفافٍ فلا تَرَىلها شَبَهاً إلاَّ النَّعامَ المُنَفَّرَا

أي ركبوها فرموها بأنفسهم. ومن ذهب إلى القول الخامس قال: تأويل الآية وأهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب؛ والعرب تسمى الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً؛ قال الله تعالى: { { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } }. [البقرة: 187] الماورديّ: ولهم في تأويل الآية وجهان: أحدهما ـ معناه ونساءك فطهر، باختيار المؤمنات العفائف. الثاني ـ الاستمتاع بهنّ في القبل دون الدبر، في الطهر لا في الحيض. حكاه ٱبن بحر. ومن ذهب إلى القول السادس قال: تأويل الآية وخلقك فحسِّن. قاله الحسن والقُرَظي؛ لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله ٱشتمال ثيابه على نفسه. وقال الشاعر:

ويَحْيَى لا يُلامُ بسوء خُلْقٍويَحْيى طَاهِرُ الأثوابِ حُرُّ

أي حسن الأخلاق. ومن ذهب إلى القول السابع قال: تأويل الآية ودينك فطهر. وفي الصحيحين عنه عليه السلام قال: "ورأيت الناس وعليهم ثياب، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجرّه. قالوا: يا رسول الله فما أوّلت ذلك؟ قال: الدِّين" . وروى ٱبن وهب عن مالك أنه قال: ما يعجبني أن أقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد لا في الطريق، قال الله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يريد مالك أنه كنى عن الثياب بالدين. وقد روى عبد الله بن نافع عن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن مالك بن أنس في قوله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي لا تلبسها على غَدْرة؛ ومنه قول أبي كَبشة:

ثِيابُ بني عَوْفٍ طَهارَى نَقِيَّةٌوَأَوْجُهُهُمْ بِيضُ الْمَسَافِرِ غُرَّانُ

يعني بطهارة ثيابهم: سلامتهم من الدناءات، ويعني بغرة وجوههم تنزيهم عن المحرمات، أو جمالهم في الخلقة أو كليهما؛ قاله ٱبن العربي. وقال سفيان بن عيينة: لا تلبس ثيابك على كذب ولا جور ولا غدر ولا إثم؛ قاله عِكرمة. ومنه قول الشاعر:

أَوْذَمَ حَجًّـا فـي ثيـابٍ دُسْمِ

أي قد دنّسها بالمعاصي. وقال النابغة:

رِقَاقُ النِّعالِ طيِّبٌ حُجُزاتُهُمْيُحَيَّوْنَ بالرَّيْحَانِ يومَ السَّبَاسِبِ

ومن ذهب إلى القول الثامن قال: إن المراد بها الثياب الملبوسات، فلهم في تأويله أربعة أوجه: أحدهما ـ معناه وثيابك فأنقِ؛ ومنه قول ٱمريء القيس:

ثيـابُ بنـي عَـوْفٍ طَهَـارَى نَقِيَّـةٌ

الثاني ـ وثيابك فشمِّرْ وقصِّرْ، فإن تقصير الثياب أبعد من النجاسة، فإذا ٱنجرَّت على الأرض لم يُؤْمَن أن يصيبها ما ينجسها؛ قاله الزجاج وطاوس. الثالث ـ { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } من النجاسة بالماء؛ قاله محمد ابن سيرين وٱبن زيد والفقهاء. الرابع ـ لا تلبس ثيابك إلا من كسب حلال لتكون مطهرة من الحرام. وعن ٱبن عباس: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طاهر. ٱبن العربي وذكر بعض ما ذكرناه: ليس بممتنع أن تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز، وإذا حملناها على الثياب المعلومة الطاهرة فهي تتناول معنيين: أحدهما ـ تقصير الأذيال؛ لأنها إذا أرسلت تدنست، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لغلام من الأنصار وقد رأى ذيله مسترخياً: ٱرفع إزارك فإنه أتقى وأنقى وأبقى. وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِزْرَةُ المؤمنِ إلى أنصاف ساقيه، لا جُناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك ففي النار" فقد جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب وتوعّد ما تحته بالنار، فما بال رجال يرسلون أذيالهم، ويطيلون ثيابهم، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم، وهذه حالة الكِبْر، وفائدة العُجْب، وأشدّ ما في الأمر أنهم يَعصُون وينجسون ويُلْحِقون أنفسهم بمن لم يجعل الله معه غيره ولا ألحق به سواه. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء" ولفظ الصحيح: "من جرّ إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" . "قال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شِقّي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست ممن يصنعه خيلاء" فعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي، وٱستثنى الصديق، فأراد الأدنياء إلحاق أنفسهم بالرفعاء، وليس ذلك لهم. والمعنى الثاني ـ غسلها من النجاسة وهو ظاهر منها، صحيح فيها. المهدويّ: وبه ٱستدل بعض العلماء على وجوب طهارة الثوب؛ قال ٱبن سيرين وٱبن زيد: لا تصلّ إلا في ثوب طاهر. وٱحتج بها الشافعيّ على وجوب طهارة الثوب. وليست عند مالك وأهل المدينة بفرض، وكذلك طهارة البدن، ويدل على ذلك الإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل. وقد مضي هذا القول في سورة «براءة» مستوفىً.