التفاسير

< >
عرض

لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ
٢٠
وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ
٢١
-القيامة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } في الترمذي: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرّك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } قال: فكان يحرّك به شفتيه" . وحرّك سفيان شفتيه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ولفظ مسلم عن ٱبن جُبير عن ٱبن عباس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدّة، كان يحرّك شفتيه، فقال لي ٱبن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّكهما؛ فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ٱبن عباس يحرّكهما، فحرك شفتيه؛ فأنزل الله عز وجل: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قال جمعه في صدرك ثم تقرؤه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قال فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا أن نقرأه؛ قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليهما السلام ٱستمع، وإذا ٱنطلق جبريل عليه السلام قرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأه؛ خرّجه البخاري أيضاً. ونظير هذه الآية قوله تعالى: { { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] وقد تقدّم. وقال عامر الشَّعْبي: إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حُبّه له، وحلاوته في لسانه، فنُهي عن ذلك حتى يجتمع؛ لأن بعضه مرتبط ببعض. وقيل: "كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرّك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، فنزلت { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] ونزل: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] ونزل: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ }" قاله ٱبن عباس. «وقرآنه» أي وقراءته عليك. والقراءة والقرآن في قول الفراء مصدران. وقال قتادة: «فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ» أي فٱتبع شرائعه وأحكامه. وقوله: { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام؛ قاله قتادة. وقيل: ثم إن علينا بيان ما فيه من الوعد والوعيد وتحقيقهما. وقيل: أي إن علينا أن نبيّنه بلسانك. قوله تعالى: { كَلاَّ } قال ٱبن عباس: أي إن أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه. وقيل: أي «كَلاَّ» لاَ يُصَلّون ولا يزكّون يريد كفّار مكة. { بَلْ تُحِبُّونَ } أي بل تحبون يا كفار أهل مكة { ٱلْعَاجِلَةَ } أي الدار الدنيا والحياة فيها { وَتَذَرُونَ } أي تَدَعون { ٱلآخِرَةَ } والعمل لها. وفي بعض التفسير قال: الآخرة الجنة. وقرأ أهل المدينة والكوفيون «بَلْ تُحِبُّونَ» «وتَذَرُونَ» بالتاء فيهما على الخطاب وٱختاره أبو عبيد؛ قال: ولولا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء؛ لذكر الإنسان قبل ذلك. الباقون بالياء على الخبر، وهو ٱختيار أبي حاتم، فمن قرأ بالياء فردا على قوله تعالى: { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ } وهو بمعنى الناس. ومن قرأ بالتاء فعلى أنه واجههم بالتقريع؛ لأن ذلك أبلغ في المقصود؛ نظيره: { { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } [الإنسان: 27].