التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٢٩
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
٣٠
يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
٣١
-الإنسان

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰذِهِ } أي السورة { تَذْكِرَةٌ } أي موعظة { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي طَريقاً موصلاً إلى طاعته وطلب مرضاته. وقيل: «سَبِيلاً» أي وسيلة. وقيل وجهة وطريقاً إلى الجنة. والمعنى واحد. { وَمَا تَشَآءُونَ } أي الطاعة والاستقامة وٱتخاذ السبيل إلى الله { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فأخبر أن الأمر إليه سبحانه ليس إليهم، وأنه لا تنفذ مشيئة أحدٍ ولا تتقدّم، إلا أن تتقدّم مشيئته. وقرأ ٱبن كثير وأبو عمرو «وَمَا يَشَاءُونَ» بالياء على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء على معنى المخاطبة لله سبحانه. وقيل: إن الآية الأولى منسوخة بالثانية. والأشبه أنه ليس بنسخ، بل هو تبيين أن ذلك لا يكون إلا بمشيئته. قال الفرّاء: { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } جواب لقوله: { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم فقال: «وَمَا تَشَاءُونَ» ذلك السبيلَ «إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» لكم. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } بأعمالكم { حَكِيماً } في أمره ونهيه لكم. وقد مضى في غير موضع. { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } أي يدخله الجنة راحماً له { وَٱلظَّالِمِينَ } أي ويعذّب الظالمين فنصبه بإضمار يعذّب. قال الزجاج: نصب الظالمين لأن قبله منصوب؛ أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذّب الظالمين أي المشركين ويكون { أَعَدَّ لَهُمْ } تفسيراً لهذا المضمر؛ كما قال الشاعر:

أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَأَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا
وَالذِّئْبَ أَخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِوَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا

أي أخشى الذئب أخشاه. قال الزجاج: والاختيار النصب وإن جاز الرفع؛ تقول: أعطيت زيداً وعمراً أعددت له بِراً، فيختار النصب؛ أي وبَرَرْت عمراً أو أبرّ عمراً. وقوله في { حـمۤ * عۤسۤقۤ }: { { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ } [الشورى: 8] ٱرتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فينصب في المعنى؛ فلم يجز العطف على المنصوب قبله فٱرتفع بالابتداء. وها هنا قوله: { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً } يدل على ويعذّب، فجاز النصب. وقرأ أبان بن عثمان «وَالظَّالِمُونَ» رفعاً بالابتداء والخبر { أَعَدَّ لَهُمْ }. { عَذَاباً أَلِيماً } أي مؤلماً موجِعاً. وقد تقدم هذا في سورة «البقرة» وغيرها والحمد لله. ختمت السورة.