التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٢٠
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
٢١
إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢٢
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ
٢٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٤
-المرسلات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } أي ضعيف حقير وهو النطفة وقد تقدّم. وهذه الآية أصل لمن قال: إن خلق الجنين إنما هو من ماء الرجل وحده. وقد مضى القول فيه. { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } أي في مكان حريز وهو الرَّحم. { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } قال مجاهد: إلى أن نصوَّره. وقيل: إلى وقت الولادة. { فَقَدَرْنَا } وقرأ نافع والكسائيّ «فَقَدَّرْنَا» بالتشديد. وخفّف الباقون، وهما لغتان بمعنًى. قاله الكسائيّ والفراء والقُتَبي. قاله القُتَبي: قدرنا بمعنى قدّرنا مشدّدة: كما تقول: قدرت كذا وقدّرته؛ ومنه "قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الهلال: إذا غُمّ عليكم فاقدُروا له" أي قدّروا له المسير والمنازل. وقال محمد ابن الجهم عن الفراء: «فَقَدَّرْنَا» قال: وذكر تشديدها عن عليّ رضي الله عنه وتخفيفها: قال: ولا يبعد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحداً؛ لأن العرب تقول: قَدَر عليه الموت وقَدَّر: قال الله تعالى: { { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } [الواقعة: 60] قرىء بالتخفيف والتشديد، وقَدَر عليه رزقه وقَدّر. قال: وٱحتج الذين خَفّفوا فقالوا؛ لو كانت كذلك لكانت فنعم المقدّرون. قال الفراء: وتجمع العرب بين اللغتين؛ قال الله تعالى: { { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [الطارق: 17] قال الأعشى:

وأنْكَرَتنِي وما كان الذي نَكِرَتْمن الحوادثِ إلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا

وروي عن عكرمة { فَقَدَرْنَا } مخففة من القدرة، وهو ٱختيار أبي عبيد وأبي حاتم والكسائيّ لقوله: { فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } ومن شدّد فهو من التقدير، أي فقدّرنا الشقي والسعيد فنعم المقدّرون. رواه ٱبن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى قدرنا قصيراً أو طويلاً. ونحوه عن ٱبن عباس: قدّرنا ملكنا. المهدوي: وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف.

قلت: هو صحيح فإن عِكرمة هو الذي قرأ { فَقَدَرْنَا } مخفّفاً قال: معناه فملكنا فنعم المالكون، فأفادت الكلمتان معنيين متغايرين؛ أي قدّرنا وقت الولادة وأحوال النطفة في التنقيل من حالة إلى حالة حتى صارت بشرًا سويًّا، أو الشقيّ والسعيد، أو الطويل والقصير، كله على قراءة التشديد. وقيل: هما بمعنى كما ذكرنا.