التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً
٢٥
أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً
٢٦
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً
٢٧
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٨
-المرسلات

الجامع لاحكام القرآن

فيه مسألتان:

الأولى ـ قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } أي ضامّة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه. وقوله عليه السلام: "قُصُّوا أظافركم وٱدفنوا قُلاَماتِكم" وقد مضى في «البقرة» بيانه. يقال: كَفَتُّ الشيء أكْفِته: إذا جمعته وضممته، والكَفْت: الضم والجمع؛ وأنشد سيبويه.

كِرامٌ حينَ تَنْكفتُ الأَفَاعيإلى أحْجَارهنّ من الصَّقِيعِ

وقال أبو عبيد: { كِفَاتاً } أوعية. ويقال لِلنِّحْي: كِفْت وكَفِيت، لأنه يحوي اللبن ويضمه قال:

فأنت اليومَ فوقَ الأرض حَيًّاوأنت غداً تَضُمُّكَ في كِفَات

وخرج الشَّعبيّ في جنازة فنظر إلى الجَبَّان فقال: هذهِ كفات الأموات، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كِفات الأحياء.

والثانية ـ روي عن ربيعة في النَّبَّاش قال تقطَع يده فقيل له: لم قلت ذلك؟ قال: إن الله عز وجل يقول: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً. أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } فالأرض حِرْز. وقد مضى هذا في سورة «المائدة». وكانوا يسمّون بَقِيع الغَرْقد كَفْتة، لأنه مقبرة تضم الموتى، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم. وأيضاً ٱستقرار الناس على وجه الأرض، ثم ٱضطجاعهم عليها، ٱنضمام منهم إليها. وقيل: هي كِفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض؛ إذ لا ضَمّ في كون الناس عليها، والضَّمّ يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه. وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه: الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض، أي الأرض منقسمة إلى حيّ وهو الذي ينبت، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت. وقال الفراء: ٱنتصب { أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } بوقوع الكِفات عليه؛ أي ألم نجعل الأرض كِفات أحياء وأموات. فإذا نوّنت نصبت؛ كقوله تعالى: { { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [البلد: 14-15]. وقيل: نصب على الحال من الأرض، أي منها كذا ومنها كذا. وقال الأخفش: «كِفَاتًا» جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع. وقال الخليل: التكفيت: تقليب الشيء ظهراً لبطن أو بطناً لظهر. ويقال: ٱنكفت القومُ إلى منازلهم أي ٱنقلبوا. فمعنى الكِفات أنهم يتصرفون على ظهرها وينقلبون إليها ويدفنون فيها. { وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الأرض { رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ } يعني الجبال، والرواسي الثوابت، والشامخات الطوال؛ ومنه يقال: شمخ بأنفه إذا رفعه كبراً. قال: { وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } أي وجعلنا لكم سُقْيا. والفُرَات: الماء العذب يشرب ويسقي منه الزرع. أي خلقنا الجبال وأنزلنا الماء الفرات. وهذه الأمور أعجب من البعث. وفي بعض الحديث قال أبو هريرة: في الأرض من الجنة الفُرَات والدّجلة ونهر الأردن. وفي صحيح مسَلم سيحان وَجَيْحان والنيل والفُرات كلّ من أنهار الجنة.