التفاسير

< >
عرض

إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
-النبأ

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } أي وقتاً ومجمعاً وميعاداً للأوّلين والآخرين؛ لما وعد الله من الجزاء والثواب. وسمي يوم الفصل لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه.

قوله تعالى: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } أي للبعث { فَتَأْتُونَ } أي إلى موضع العَرْض، { أَفْوَاجاً } أي أمما، كل أمّة مع إمامهم. وقيل: زمراً وجماعات. الواحد: فوج. ونصب يوماً بدلاً من اليوم الأوّل. وروي من حديث معاذ بن جبل قلت: "يا رسول الله! أرأيت قوله تعالى{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ بنَ جَبَل لقد سألت عن أمر عظيم ثم أرسل عينيه باكياً، ثم قال: يُحشَر عشرة أصناف من أمتي أشتاتاً قد ميزهم الله تعالى من جماعات المسلمين، وبدل صُوَرهم، فمنهم على صورة القِرَدة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم مُنكَّسون: أرجلهم أعلاهم، ووجوهُهم يُسْحَبون عليها، وبعضهم عُمْي يتردّدون، وبعضهم صُمٌّ بُكْمٌ لا يعقلون، وبعضهم يَمضُغون ألسنتهم، فهي مُدلاَّة على صدورهم، يسيل القَيح من أفواههم لعاباً، يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من النار، وبعضهم أشدّ نَتْناً من الجِيف، وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القَطران لاصقة بجلودهم؛ فأما الذين على صورة القردة فالقَتَّات من الناس ـ يعني النمام ـ وأَما الذين على صورة الخنازير، فأهل السُّحْت والحرام والمَكْس. وأما المنكَّسون رؤوسهم ووجوههم، فأَكَلة الربا، والعُمْي: من يجور في الحكم، والصم البكم: الذين يعجبون بأعمالهم. والذين يمضغون ألسنتهم: فالعلماء والقُصّاص الذين يخالف قولهم فعلهم. والمقطعة أيديهم وأرجلهم: فالذين يؤذون الجيران. والمصلَّبون على جذوع النار: فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين هم أشد نَتْناً من الجِيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون حق الله من أموالهم. والذين يلْبَسون الجلابيب: فأهل الكِبْر والفخر والخَيَلاء" .

قوله تعالى: { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } أي لنزول الملائكة؛ كما قال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً }. وقيل: تقطعت، فكانت قِطعاً كالأبواب فٱنتصاب الأبواب على هذا التأويل بحذف الكاف. وقيل: التقدير فكانت ذات أبواب؛ لأنها تصير كلها أبواباً. وقيل: أبوابها طُرُقها. وقيل: تنحلّ وتتناثر، حتى تصير فيها أبواب. وقيل: إن لكل عبد بابين في السماء: باباً لعمله، وباباً لرزقه، فإذا قامت القيامة ٱنفتحت الأبواب. وفي حديث الإسراء: "ثُمّ عرج بنا إلى السماء فٱستَفْتح جبريل، فقيل: من أنت قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وَقَد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتح لنا" . { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } أي لا شيء كما أنَّ السراب كذلك: يظنه الرائي ماء وليس بماء. وقيل: «سُيِّرت» نسِفت من أصولها. وقيل: أُزيلت عن مواضعها.