التفاسير

< >
عرض

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ
١
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
٢
ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
٣
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٤
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٥
-النبأ

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ }؟ «عم» لفظ ٱستفهام؛ ولذلك سقطت منها ألف «ما»، ليتميز الخبر عن الاستفهام. وكذلك (فيم، ومم) إذا ٱستفهمت. والمعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضاً. وقال الزجاج: أصل «عَمَّ» عن ما فأدغمت النون في الميم، لأنها تشاركها في الغُنّة. والضمير في «يتساءلون» لقريش. وروى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدّق ومنهم المكذب به فنزلت «عم يتساءلون»؟ وقيل: «عم» بمعنى: فيم يتشدّد المشركون ويختصمون.

قوله تعالى: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } أي يتساءلون «عن النبإ العظِيم» فعن ليس تتعلق بـ «ـيتساءلون» الذي في التلاوة؛ لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام فيكون «عنِ النبإ العظِيم» كقولك: كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرناه من ٱمتناع تعلقه بـ «ـيتساءلون» الذي في التلاوة، وإنما يتعلق بيتساءلون آخر مضمر. وحسن ذلك لتقدم يتساءلون؛ قاله المَهْدويّ. وذكر بعض أهل العلم أن الاستفهام في قوله: «عن» مكرر إلا أنه مضمر، كأنه قال عم يتساءلون أعن النبإ العظيم؟ فعلى هذا يكون متصلاً بالآية الأولى. والنبأ العظيم» أي الخبر الكبير. { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } أي يخالف فيه بعضهم بعضاً، فيصدق واحد ويكذب آخر؛ فروى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: هو القرآن؛ دليله قوله: { { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [صۤ: 67] فالقرآن نبأ وخبر وقصص، وهو نبأ عظيم الشأن. وروى سعيد عن قتادة قال: هو البعث بعد الموت صار الناس فيه رجلين: مصدّق ومكذب. وقيل: أَمْر النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال: وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة، فأخبره الله جل ثناؤه باختلافهم، ثم هدّدهم فقال: { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } أي سيعلمون عاقبة القرآن، أو سيعلمون البعث: أحق هو أم باطل. و «كلا» ردّ عليهم في إنكارهم البعث أو تكذيبهم القرآن، فيوقف عليها. ويجوز أن يكون بمعنى حقاً أو «ألاَ» فيُبدأ بها. والأظهر أن سؤالهم إنما كان عن البعث؛ قال بعض علمائنا: والذي يدل عليه قوله عز وجل «إن يوم الفصلِ كان مِيقاتاً» يدل على أنهم كانوا يتساءلون عن البعث. { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } أي حقاً لَيَعْلَمُنَّ صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ومما ذكره لهم من البعث بعد الموت. وقال الضحاك: «كلا سيعلمون» يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم. «ثم كلا سيعلمون» يعني المؤمنين عاقبة تصديقهم. وقيل: بالعكس أيضاً. وقال الحسن: هو وعيد بعد وعيد. وقراءة العامة فيهما بالياء على الخبر؛ لقوله تعالى: { يَتَسَآءَلُونَ } وقوله: { هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }. وقرأ الحسن وأبو العالية ومالك بن دينار بالتاء فيهما.