التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
١٨
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
١٩
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٢٠
يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢١
-المطففين

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } «كَلاَّ» بمعنى حقاً، والوقف على «تكذبون». وقيل أي ليس الأمر كما يقولون ولا كما ظنوا، بل كتابهم في سجين، وكتاب المؤمنين في عِليين. وقال مقاتل: كَلاّ، أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يَصْلَونه. ثم ٱستأنف فقال: «إِن كتاب الأبرارِ» مرفوع في عليين على قدر مرتبتهم. قال ٱبن عباس: أي في الجنة. وعنه أيضاً قال: أعمالهم في كتاب الله في السماء. وقال الضحاك ومجاهد وقتادة: يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين. ورَوَي ٱبن الأجلح عن الضحاك قال: هي سِدْرة المنتهى، ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها، فيقولون: رب! عبدك فلان، وهو أعلم به منهم، فيأتيه كتاب من الله عز وجل مختوم بأمانه من العذاب. فذلك قوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ }. وعن كعب الأحبار قال: إن روح المؤمن إذا قبضت صُعد بها إلى السماء، وفُتحت لها أبواب السماء، وتلقَّتها الملائكة بالبشرى، ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لهم من تحت العرش، رَقّ فيرقم ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة ويشهده المقربون. وقال قتادة أيضاً: «فِي عِلييِّن» هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى. وقال البَرَاء بن عازِب قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عِلِّيون في السماء السابعة تحت العرش" . وعن ٱبن عباس أيضاً: هو لوح من زبرجدة خضراء معلق بالعرش، أعمالهم مكتوبة فيه. وقال الفراء: عِليون ٱرتفاع بعد ٱرتفاع. وقيل: عليون أعلى الأمكنة. وقيل: معناه علوّ في علوّ مضاعف، كأنه لا غاية له؛ ولذلك جمع بالواو والنون. وهو معنى قول الطبريّ. قال الفراء: هو ٱسم موضوع على صفة الجمع، ولا واحد له من لفظة؛ كقولك: عشرون وثلاثون، والعرب إذا جمعت جمعاً ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية، قالوا في المذكر والمؤنث بالنون. وهي معنى قول الطبري. وقال الزجاج: إعراب هذا الأسم كإعراب الجمع، كما تقول: هذه قِنَّسْرون، ورأيت قِنسرين. وقال يونس النحوي واحدها: عِليّ وعِلية. وقال أبو الفتح: عِليين: جمع عِليّ، وهو فِعِّيل من العلوّ. وكان سبيله أن يقول عِلِّية كما قالوا للغرفة عِلِّية؛ لأنها من العلو، فلما حذف التاء من عِلية عوضوا منها الجمع بالواو والنون، كما قالوا في أرضين. وقيل: إن عليين صفة للملائكة، فإنهم الملأ الأعلى؛ كما يقال: فلان في بني فلان؛ أي هو في جملتهم وعندهم. والذي في الخبر من حديث ٱبن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل عِليين لينظرون إلى الجنة من كذا، فإذا أشرف رجل من أهل عِليين أشرقت الجنة لضياء وجهه، فيقولون: ما هذا النور؟ فيقال أشرف رجل من أهل عِليين الأبرار أهل الطاعة والصدق" وفي خبر آخر: "إن أهل الجنة ليرون أهل عِليين كما يُرى الكوكب الدُّرِّيُّ في أفق السماء" يدل على أن عِليين ٱسم الموضع المرتفع. وروى ناس عن ابن عباس في قوله «عِليين» قال: أخبر أن أعمالهم وأرواحهم في السماء الرابعة. ثم قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } أي ما الذي أعلمك يا محمد أي شيء عليون؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في المنزلة الرفيعة. ثم فسره له فقال: { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ }. وقيل: إن «كتاب مرقوم» ليس تفسير العِليين، بل تم الكلام عند قوله «عليون» ثم ابتدأ وقال: «كتاب مرقوم» أي كتاب الأبرار كتاب مرقوم ولهذا عكس الرقم في كتاب الفجار؛ قاله القشيريّ. وروي: أن الملائكة تصعد بعمل العبد فيستقبلِّونهُ فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم: إنكم الحفَظَة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص لي عمله، فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له، وإنها لتصعد بعمل العبد، فيتركونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم: أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله، فاجعلوه في سِجِّين.

قوله تعالى: { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة. وقال وهب وابن إسحاق: المقربون هنا إسرافيل عليه السلام، فإذا عمل المؤمن عمل البر، صَعِدت الملائكة بالصحيفة وله نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض، حتى ينتهي بها إلى إسرافيل، فيختم عليها ويكتب فهو قوله: «يشهده المقربون» أي يشهد كتابتهم.