التفاسير

< >
عرض

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
١٢
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ
١٣
وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ
١٤
ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ
١٥
فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
١٦
-البروج

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } أي أخذه الجبابرة والظلمة، كقوله جلّ ثناؤه: { { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } }. [هود: 102] وقد تقدم. قال المبرد «إن بطش ربك» جواب القسم. المعنى: والسماء ذات البروج إن بطش ربك، وما بينهما معتَرِض مؤكِّد للقسم. وكذلك قال التِّرمذي الحكيم في نوادر الأصول: إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } يعني الخَلْق ـ عن أكثر العلماء ـ يخلُقهم ابتداء، ثم يعيدهم عند البعث. وروى عكرمة قال: عَجِب الكفار من إحياء الله جلّ ثناؤه الأموات، وقال ابن عباس: يبدىء لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة. وهذا اختيار الطبريّ: { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } أي الستُور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها { ٱلْوَدُودُ } أي المحب لأوليائه. ورَوَى الضحاك عن ابن عباس قال: كما يودّ أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة. وعنه أيضاً «الودود» أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة، وقال مجاهد الوادّ لأوليائه، فعول بمعنى فاعل. وقال ابن زيد: الرحيم، وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر:

وأركبُ في الروع عُرْيانةًذلولَ الجَناح لقاحاً ودُوداً

أي لا ولد لها تحِن إليه، ويكون معنى الآية: إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله، ليكون بالمغفرة متفضلاً من غير جزاء. وقيل: الودود بمعنى المودود، كركوب وحلُوب، أي يوده عباده الصالحون ويحبونه { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } قرأ الكوفيون إلا عاصما «المجيد» بالخفض، نعتاً للعرش. وقيل: لـ«ـربك»؛ أي إن بطش ربك المجيد لشديد، ولم يمتنع الفصل، لأنه جارٍ مجرى الصفة في التشديد. الباقون بالرفع نعتا لـ«ـذو» وهو الله تعالى. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل، والله سبحانه المنعوت بذلك، وإن كان قد وُصف عرشه بالكريم في آخر «المؤمنون. تقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخُ والعَفَار؛ أي تناهيا فيه، حتى يُقْتَبَس منهما. ومعنى ذو العرش: أي ذو المُلك والسلطان؛ كما يقال: فلان على سرير ملكه؛ وإن لم يكن على سرير. ويقال: ثُل عرشه: أي ذهب سلطانه. وقد مضى بيان هذا في «الأعراف» وخاصة في «كتاب الأسنى، في شرح أسماء الله الحسنى». { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } أي لا يمتنع عليه شيء يريده. الزمخشريّ: «فَعَّال» خبر ابتداء محذوف. وإنما قيل: «فَعَّال» لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. وقال الفراء: هو رفع على التكرير والاستئناف؛ لأنه نكرة محضة. وقال الطبريّ: رفع «فعال» وهي نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب «الغفور الودود». وعن أبي السّفر قال: دخل ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه يعودونه فقالوا: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: قد رآني! قالوا: فما قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد.