التفاسير

< >
عرض

وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
-البروج

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } أي الموعود به. وهو قَسَم آخر، وهو يوم القيامة؛ من غير ٱختلاف بين أهل التأويل. قال ٱبن عباس: وُعِد أهلُ السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه. { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } ٱختلف فيهما؛ فقال عليّ وٱبن عباس وٱبن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم: الشاهد يوم الجمعة، والمشهودُ يوم عرفة. وهو قول الحسن. ورواه أبو هُريرة مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة..." خرّجه أبو عيسى الترمذيّ في جامعه، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى ابن عُبيدة، وموسى بن عبيدة يُضَعَّف في الحديث، ضَعَّفه يحيـى بن سعيد وغيره. وقد رَوَى شُعبة وسفيان الثوريّ وغير واحد من الأئمة عنه. قال القشَيريّ فيومُ الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه.

قلت: وكذلك سائر الأيام والليالي؛ فكل يوم شاهد، وكذا كل ليلة؛ ودليله ما رواه أبو نعِيم الحافظ عن معاوية بن قُرّة عن مَعْقِل بن يسار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من يوم يأتي على العبد إلا يُنادَى فيه: يا بن آدم، أنا خَلْق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شهيد، فاعمل فيّ خيراً أشهد لك به غد، فإني لو قد مضيتُ لم ترني أبداً، ويقول الليل مثلَ ذلك" . حديث غريب من حديث معاوية، تفرّد به عنه زيد العَمِّي، ولا أعلمه مرفوعاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. وحكى القُشَيريّ عن ٱبن عمر وٱبن الزُّبير أن الشاهد يوم الأضحى. وقال سعيد ابن المسيب: الشاهد: التَّروِية، والمشهود: يوم عَرَفة. وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليّ رضي الله عنه: الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم النحر. وقاله النخعيّ. وعن عليّ أيضاً: المشهود يوم عرفة. وقال ٱبن عباس والحسين ٱبن عليّ رضي الله عنهما: المشهود يوم القيامة؛ لقوله تعالى: { { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود: 103].

قلت: وعلى هذا ٱختلفت أقوال العلماء في الشاهد، فقيل: الله تعالى؛ عن ٱبن عباس والحسن وسعيد بن جُبير؛ بيانه: { { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [النساء: 79]، { قل أي شيء أكبر شهادة؟ قلِ الله شهيد بينِي وبينكم } [الأنعام: 19] وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم؛ عن ٱبن عباس أيضاً والحسين بن عليّ؛ وقرأ ٱبن عباس { { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء: 41]، وقرأ الحسين { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [الأحزاب: 45].

قلت: وأقرأ أنا { ويكون الرسول عليكُمْ شهيداً } [البقرة:143]. وقيل: الأنبياء يَشْهَدون على أممهم؛ لقوله تعالى: { { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [النساء: 41]. وقيل: آدم. وقيل: عيسى بن مريم؛ لقوله: { { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117]. والمشهود: أمته. وعن ٱبن عباس أيضاً ومحمد بن كعب: الشاهد الإنسان؛ دليله: « { كفى بِنفسِك اليوم عليك حسِيباً } ». [الإسراء: 14] مقاتل: أعضاؤه؛ بيانه: { { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النور: 24]. الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمّة، والمشهود سائر الأمم؛ بيانه: { { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143]. وقيل: الشاهد: الحفَظَة، والمشهود: بنو آدم. وقيل: الليالي والأيام. وقد بيناه.

قلت: وقد يشهد المالُ على صاحبه، والأرضُ بما عُمل عليها؛ ففي صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن هذا المال خَضِر حُلْو، ونِعم صاحبُ المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وٱبن السبيل ـ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وإنه من يأخذْه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يَشْبَع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة" . وفي الترمذيّ عن أبي هريرة قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 4] قال: أتدرون ما أخبارُها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل يوم كذا كذا كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها" . قال حديث حسن غريب صحيح. وقيل: الشاهد الخلْق، شهدوا لله عزّ وجلّ بالوحدانية. والمشهود له بالتوحيد هو الله تعالى. وقيل: المشهود يومُ الجمعة؛ كما رَوَى أبو الدّرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثِروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة..." وذكر الحديث. خرّجه ٱبن ماجه وغيره.

قلت: فعلى هذا يوم عرفة مشهود، لأن الملائكة تشهده، وتنزل فيه بالرحمة. وكذا يوم النحر إن شاء الله. وقال أبو بكر العطار: الشاهد الحجر الأسود؛ يشهد لمن لمسه بصدق وإخلاص ويقين. والمشهود الحاجّ. وقيل: الشاهد الأنبياء، والمشهود محمد صلى الله عليه وسلم؛ بيانه: « { وإذ أخذ الله ميثاق النبِيين لما آتيتكم مِن كِتابٍ وحِكمةٍ ـ إلى قوله تعالى: وأَنا معكم من الشاهدين } [آل عمران: 81].