التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ
٢
ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ
٣
-الطارق

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } قَسَمان: «السماء» قَسَم، و«الطارق» قَسَم. والطارق: النجم. وقد بينه الله تعالى بقوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }. واختلف فيه؛ فقيل: هو زُحَل: الكوكب الذي في السماء السابعة؛ ذكره محمد بن الحسن في تفسيره، وذكر له أخباراً، الله أعلم بصحتها. وقال ابن زيد: إنه الثُّريا. وعنه أيضاً أنه زُحَل؛ وقاله الفراء. ابن عباس: هو الجَدْي. وعنه أيضاً وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ والفراء: «النجم الثاقِب»: نجم في السماء السابعة، لا يسكنها غيره من النجوم؛ فإذا أخَذَت النجوم أمكنتها من السماء، هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زُحَل؛ فهو طارق حين ينزل، وطارق حين يصعد. وحكى الفراء: ثَقُبَ الطائر: إذا ارتفع وعلا. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً مع أبي طالب، فانحط نجم، فامتلأت الأرض نوراً، ففزِع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا؟ فقال: هذا نجم رُميَ به، وهو آية من آيات الله فعجِب أبو طالب، ونزل: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ }" . وروي عن ابن عباس أيضاً «والسماءِ والطارِقِ» قال: السماء وما يطْرُق فيها. وعن ابن عباس وعطاء: «الثاقب»: الذي تُرْمَى به الشياطين. قتادة: هو عام في سائر النجوم؛ لأن طلوعها بليلٍ، وكل من أتاك ليلاً فهو طارق. قال:

ومِثلك حبلى قد طرقت ومرضِعاًفألهيتها عن ذِي تمائم مُغْيِل

وقال:

ألم ترياني كلما جئت طارقاًوجدت بها طيباً وإن لم تَطَيَّبِ

فالطارق: النجم، اسم جنس، سمي بذلك لأنه يطرق ليلاً، ومنه الحديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرُق المسافر أهلَه ليلاً، كي تستحِدّ المُغِيبة، وتمتشط الشعِثة" . والعرب تسمي كل قاصدٍ في الليل طارقاً. يقال: طرق فلان إذا جاء بليل. وقد طرُق يطرق طروقاً، فهو طارق. ولابن الرومِي:

يا راقدَ الليل مسروراً بأوّلهِإن الحوادث قد يطرُقن أسحارا
لاتفرحَنَّ بليل طاب أوّلهفرب آخرِ ليلٍ أجج النارا

وفي الصحاح: والطارق: النجم الذي يقال له كوكب الصبح. ومنه قول هند:

نحنُ بناتِ طارِقٍنمشي على النمارقِ

أي إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء. الماورديّ: وأصل الطَّرْق: الدّق، ومنه سميت المِطرقة، فسمي قاصدُ الليلِ طارقاً، لاحتياجه في الوصول إلى الدق. وقال قوم: إنه قد يكون نهاراً. والعرب تقول؛ أتيتك اليوم طَرْقَتين: أي مرتين. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بك من شر طوارِقِ الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن" . وقال جرير في الطروق:

طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذاحينَ الزيارة فارجِعِي بسلامِ

ثم بين فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } والثاقب: المضيء. ومنه { { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10]. يقال: ثقُب يثْقُب ثُقُوباً وثقابة: إذا أضاء. وثُقوبُه: ضوءه. والعرب تقول: أثقِب نارك؛ أي أضئها. قال:

أذاعَ به في الناسِ حتّى كأَنهبعلياءَ نارٌ أوقدتْ بثَقُوبِ

الثَّقوب: ما تشعل به النار من دُقاق العِيدان. وقال مجاهد: الثاقب: المتوهِّج. القشيري: والمعظَم على أن الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العُموم، كما ذكرنا عن مجاهد. { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } تفخيماً لشأن هذا المقسَمِ به. وقال سفيان: كل ما في القرآن «وما أدراك؟» فقد أخبره به. وكل شيء قال فيه «وما يدريك»: لم يخبره به.