التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
١٤
وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
-الأعلى

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ } أي قد صادف البقاء في الجنة؛ أي من تَطَهَّر من الشرك بإيمان؛ قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة. وقال الحسن والربيع: من كان عمله زاكياً نامِياً. وقال مَعْمر عن قتادة: «تزَكَّى» قام بعمل صالح. وعنه وعن عطاء وأبي العالية: نزلت في صدقة الفِطر. وعن ابن سِيرينَ { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }. قال: خرج فصلَّى بعد ما أدّى. وقال عكرمة: كان الرجل يقول أقدّم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان: قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } وروي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ وابن عمر: أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد. وكذلك قال أبو العالية، وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سِقاية الماء. وروى كَثير بن عبد الله عن أبيه عن جدّه، "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } قال:أخرج زكاة الفطر، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } قال: صلاة العيد" . وقال ابن عباس والضحاك: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } في طريق المصلَّى { فَصَلَّىٰ } صلاة العيد. وقيل: المراد بالآية زكاة الأموال كلها؛ قاله أبو الأحوص وعطاء. وروى ابن جُرَيج قال: قلت لعطاء: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } للفطر؟ قال: هي للصدقات كلها. وقيل: هي زكاة الأعمال، لا زكاة الأموال؛ أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير؛ لأن الأكثر أن يقال في المال: زَكَّى، لا تَزَكَّى. وروى جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي من شهد أَنْ لا إلٰه إلاَّ الله، وخَلع الأندادَ، وشهد أني رسولُ الله" . وعن ابن عباس { تَزَكَّىٰ } قال: لا إلٰه إلا الله. وروى عنه عطاء قال: "نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البُسْرَ والرطبَ إلى دار الأنصاريّ، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق؛ فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه، فقال: إن أخاك الأنصاريّ ذكر أن بُسْرك ورُطَبك يقع إلى منزله، فيأكل هو وعياله، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها؟ فقال: أبيع عاجلاً بآجلٰ لا أفعل. فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطاً من نخل بدل نخلته؛ ففيه نزلت قد أفلح من تزكى" . ونزلت في المنافق { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى }. وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

الثانية: قد ذكرنا القول في زكاة الفِطر في سورة «البقرة» مستوفى. وقد تقدّم أن هذه السورة مكية؛ في قول الجمهور، ولم يكن بمكة عِيد ولا زكاة فطر. القشيرِي: ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفِطر وصلاة العيد، فيما يأمر به في المستقبل.

الثالثة: قوله تعالى: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي ذكر ربه. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يرد ذكر معاده وموقفه بين يدي الله جل ثناؤه، فعبده وصلَّى له. وقيل: ذكر اسم ربه بالتكبير في أوّل الصلاة، لأنها لا تنعقد إلا بذكره؛ وهو قوله: الله أكبر: وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة؛ لأن الصلاة معطوفة عليها. وفيه حجة لمن قال: إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله عز وجلّ. وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء. وقد مضى القول في هذا في أوّل سورة «البقرة». وقيل: هي تكبيرات العيد. قال الضحاك: «وذكر اسم ربهِ» في طريق المصلَّى «فصلّى»؛ أي صلاة العيد. وقيل: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته، فيخاف عقابه، ويرجو ثوابه؛ ليكون استيفاؤه لها، وخشوعه فيها، بحسب خوفه ورجائه. وقيل: هو أن يفتتح أوّل كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم. «فصلَّى» أي فصلَّى وذكر. ولا فرق بين أن تقول: أكرمتني فزرتني، وبين أن تقول: زرتني فأكرمتني. قال ابن عباس: هذا في الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس. وقيل: الدعاء؛ أي دعاء الله بحوائج الدنيا والآخرة. وقيل: صلاة العيد؛ قاله أبو سعيد الخُدرِيّ وابن عمر وغيرهما. وقد تقدّم. وقيل: هو أن يتطوّع بصلاةٍ بعد زكاته؛ قاله أبو الأحوص، وهو مقتضى قول عطاء. ورُوِيَ عن عبد الله قال: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له.