التفاسير

< >
عرض

فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ
٢١
لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ
٢٢
إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ
٢٣
فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ
٢٤
إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ
٢٥
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
٢٦
-الغاشية

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَذَكِّرْ } أي فعِظهم يا محمد وخوّفهم. { إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } أي واعظ. { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } أي بمسَلَّط عليهم فتقتلَهم. ثم نسختها آية السيف. وقرأ هارون الأعور «بِمُسَيْطَرٍ» (بفتح الطاء)، و«الْمُسيْطَرُون». وهي لغة تميم. وفي الصحاح: «المسيطِر والمصيطِر: المسلّط على الشيء، ليشرِف عليه، ويتعهد أحواله، ويكتب عمله، وأصله من السطر، لأن من معنى السطر ألا يتجاوز، فالكتاب مسطر، والذي يفعله مسطر ومسيطِر؛ يقال: سيطرت علينا، وقال تعالى: { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ }. وسَطَرَه أي صَرَعَه». { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } استثناء منقطع، أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير. { فَيْعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } وهي جهنم الدائم عذابها. وإنما قال «الأكبر» لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقَحْط والأسر والقتل. ودليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود: «إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَر. فإنه يعذبه الله». وقيل: هو استثناء متصل. والمعنى: لست بمسلّط إلا على من تولى وكفر، فأنت مُسَلَّط عليه بالجهاد، والله يعذبه بعد ذلك العذاب الأكبر، فلا نسخ في الآية على هذا التقدير. ورُوِي أن علياً أتِي برجل ارتد، فاستتابه ثلاثة أيام، فلم يعاود الإسلام، فضرب عنقه، وقرأ { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ }. وقرأ ابن عباس وقتادة «أَلاَ» على الاستفتاح والتنبيه، كقول امرىء القيس:

أَلاَ رُبَّ يومٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ

و«مَنْ» على هذا: للشرط. والجواب { فَيْعَذِّبُهُ ٱللَّهُ } والمبتدأ بعد الفاء مضمر، والتقدير: فهو يعذبه الله، لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان: إلا من تولى وكفر يعذبه الله. { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } أي رُجوعهم بعد الموت. يقال: آب يؤوب؛ أي رجع. قال عَبيد:

وكُلّ ذي غَيْبَةٍ يؤوبوغائب الموتِ لا يؤوب

وقرأ أبو جعفر «إِيَّابَهُمْ» بالتشديد. قال أبو حاتم: لا يجوز التشديد، ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام. وقيل: هما لغتان بمعنى. الزمخشري: وقرأ أبو جعفر المدنيّ «إِيابهم» بالتشديد؛ ووجهه أن يكون فِيْعالا: مصدر أيب، قيل من الإياب. أو أن يكون أصله إوّاباً فِعّالا من أوّب، ثم قيل: إيواباً كدِيوان في دِوّان. ثم فعل ما فعل بأصل سيد ونحوه.