التفاسير

< >
عرض

يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ
٢٧
ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
٢٨
فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي
٢٩
وَٱدْخُلِي جَنَّتِي
٣٠
-الفجر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } لما ذكر حال من كانت هِمته الدنيا فاتهم الله في إغنائه وإفقاره، ذكر حال من اطمأنت نفسه إلى الله تعالى، فسلم لأمره، واتكل عليه. وقيل: هو من قول الملائكة لأولياء الله عز وجل. والنفس المطمئنة: الساكنة المُوقنة؛ أيقنت أن الله ربها، فأخبتت لذلك؛ قاله مجاهد وغيره. وقال ابن عباس: أي المطمئنة بثواب الله. وعنه المؤمنة. وقال الحسن: المؤمنة الموقنة. وعن مجاهد أيضاً: الراضية بقضاء الله، التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأنّ ما أصابها لم يكن ليخطئها. وقال مقاتل: الآمنة من عذاب الله. وفي حرف أُبيّ بن كعب «يأيتها النفس الآمنة المطمئنة». وقيل: التي عمِلت على يقين بما وعد الله في كتابه. وقال ابن كَيسان: المطمئنة هنا: المخلصة. وقال ابن عطاء: العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين. وقيل: المطمئنة بذكر الله تعالى؛ بيانه { { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28]. وقيل: المطمئنة بالإيمان، المُصدِّقة بالمبعث والثواب. وقال ابن زيد: المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت، وعند البعث، ويوم الجمع. وروى عبد الله بن بُرَيدة عن أبيه قال: يعني نفس حمزة. والصحيح أنها عامة في كل نفسِ مؤمنٍ مخلصٍ طائع. قال الحسن البصرِيّ: إن الله تعالى إذا أراد أن يقبض رُوح عبده المؤمن، اطمأنت النفس إلى الله تعالى، واطمأن الله إليها. وقال عمرو بن العاص: إذا تُوُفِّيَ المؤمن أرسل الله إليه مَلَكين، وأرسل معهما تُحْفة من الجنة، فيقولان لها: اخرُجي أيتَّها النفسُ المطمئنةُ راضية مَرْضِية، ومَرْضِياً عنك، اخرجي إلى رَوْحٍ وريَحْان، ورَبٍّ راضٍ غيرِ غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك وَجَد أحد من أنفه على ظهر الأرض. وذكر الحديث. وقال سعيد بن زايد: "قرأ رجل عند النبيّ صلى الله عليه وسلم يٰأيَّتُها النفسُ المُطْمَئِنَّة، فقال أبو بكر: ما أحسن هذا يا رسول الله! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن المَلَكَ سيقولها لك يا أبا بكر" . وقال سعيد بن جبير: مات ابن عباس بالطائف، فجاء طائر لم يُرَ على خِلقته طائر قط، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شَفِير القبر ـ لا يُدْرَى من تلاها ـ: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً }. وروى الضحاك: أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رُومَة. وقيل: نزلت في خُبَيب بن عدِيّ الذي صَلَبه أهل مكة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فحوّل الله وجهه نحو القِبلة. والله أعلم.

معنى { إِلَىٰ رَبِّكِ } أي إلى صاحبك وجسدِك؛ قاله ابن عباس وعِكرمة وعطاء. واختاره الطَّبَريّ؛ ودليله قراءة ابن عباس «فادْخُلِي فِي عَبْدِي» على التوحيد، فيأمر الله تعالى الأرواح غداً أن ترجع إلى الأجساد. وقرأ ابن مسعود «في جسدِ عبدي». وقال الحسن: ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته. وقال أبو صالح: المعنى: ارجعي إلى الله. وهذا عند الموت.{ فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } أي في أجساد عبادي؛ دليله قراءة ابن عباس وابن مسعود. قال ابن عباس: هذا يوم القيامة؛ وقاله الضحاك. والجمهور على أن الجنة هي دار الخلود التي هي مَسْكَن الأبرار، ودار الصالحين والأخيار. ومعنى «فِي عِبادِي» أي في الصالحين من عبادي؛ كما قال: { { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } [العنكبوت: 9]. وقال الأخفش: { فِي عِبَادِي } أي في حِزبي؛ والمعنى واحد. أي انتظمي في سِلْكهم. { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } معهم.