التفاسير

< >
عرض

أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
١٤
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ
١٥
أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
١٦
-البلد

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } أي مجَاعة. والسَّغَب: الجوع. والساغب: الجائع ـ وقرأ الحسن «أو إِطعامٌ فِي يومٍ ذا مَسْغَبةٍ» بالألف في «ذا» ـ وأنشد أبو عبيدة:

فلَوْ كنتُ جاراً يابن قَيْسٍ بن عاصمٍلَمَا بِتَّ شَبْعاناً وجارُك ساغِبا

وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السَّغَب الذي هو الجوع أفضل. وقال النَّخَعِيّ في قوله تعالى: { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } قال: في يوم عزيز فيه الطعام. ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من موجِباتِ الرحمةِ إطعامُ المُسْلِم السَّغْبانَ" . { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } أي قرابة. يقال: فلان ذو قرابتي وذو مَقْرَبتي. يعلمك أن الصدقة على القرابة أفضل منها على غير القرابة، كما أن الصدقة على اليتيم الذي لا كافل له أفضل من الصدقة على اليتيم الذي يجد من يَكْفله. وأهل اللغة يقولون: سُمِّي يتيماً لضعفه. يقال: يَتُمَ الرجل يُتْماً: إذا ضعف. وذكروا أن اليَتيم في الناس من قِبل الأب، وفي البهائم من قِبل الأمهات. وقد مضى في سورة «البقرة» مُسْتوفًى، وقال بعض أهل اللغة: اليتيم الذي يموت أبواه. وقال قيس بن الملَّوح:

إلَى الله أشكو فقد لَيْلَى كما شَكاإلَى الله فقد الوالِدَيْن يَتِيمُ

قوله تعالى: { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أي لا شيء له، حتى كأنه قد لصِق بالتّراب من الفقر، ليس له مَأْوًى إلا التراب. قال ابن عباس: هو المطروح على الطريق، الذي لا بيت له. مجاهد: هو الذي لا يقيه من التراب لِباس ولا غيره. وقال قتادة: إنه ذو العيال. عكرمة: المديون. أبو سنان: ذُو الزَّمانَةِ. ابن جبير: الذي ليس له أحد. وروى عكرمة عن ابن عباس: ذو المَتْرَبَة البعيد التربة؛ يعني الغريب البعيد عن وطنه. وقال أبو حامد الخارَزَنْجِيّ: المَتْربة هنا: من التَّرِيب؛ وهي شدة الحال. يقال ترِب: إذا افتقر. قال الهُذَلِيّ:

وكُنَّا إذا ما الضيفُ حَلَّ بأرْضِناسَفَكْنا دِماءَ البُدْن في تُرْبة الحالِ

وقرأ ابن كثِير وأبو عمرو والكسائيّ: «فَكَّ» بفتح الكاف، على الفعل الماضي. «رقبةً» نصباً لكونها مفعولاً «أو أَطْعَمَ» بفتح الهمزة ونصب الميم، من غير ألف، على الفعل الماضي أيضاً؛ لقوله: { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فهذا أشكل بـ«ـفكَّ وأَطعمَ». وقرأ الباقون: «فَكُّ» رفعاً، على أنه مصدر فككت. «رقبةٍ» خفض بالإضافة. «أو إِطعامٌ» بكسر الهمزة وألف ورفع الميم وتنوينها على المصدر أيضاً. واختاره أبو عُبيد وأبو حاتم؛ لأنه تفسير لقوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ }؟ ثم أخبره فقال: { فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ }. المعنى: اقتحام العقبة: فكّ رقبة أو إطعام. ومن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى؛ أي ولا فَكَّ رقبةً، ولا أطعمَ في يومٍ ذا مَسْغبة؛ فكيف يجاوز العَقَبة. وقرأ الحسن وأبو رَجاء: «ذا مسغبة» بالنصب على أنه مفعول «إطعام» أي يطعمون ذا مَسْغَبة و«يَتيماً» بدل منه. الباقون «ذِي مَسْغَبة» فهو صفة لـ«ـيوم». ويجوز أن يكون قراءة النصب صفة لموضع الجار والمجرور؛ لأن قوله: «في يوم» ظرف منصوب الموضع، فيكون وصفاً له على المعنى دون اللفظ.