التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ
٢
لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
٣
-القدر

الجامع لاحكام القرآن

قال الفراء: كل ما في القرآن من قوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أدراه. وما كان من قوله: «وما يُدْرِيكَ» فلم يُدْرِه. وقاله سفيان، وقد تقدم. { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } بيَّن فضلها وعظمها. وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل. وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر. والله أعلم. وقال كثير من المفسرين: أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقال أبو العالية: ليلة القدر خير من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدر. وقيل: عَنى بألف شهر جميع الدهر؛ لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء؛ كما قال تعالى: { { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } [البقرة: 96] يعني جميع الدهر. وقيل: إِن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابداً حتى يعبد الله ألف شهر، ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر؛ فجعل الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ليلة خيراً من ألف شهر كانوا يعبدونها. وقال أبو بكر الوراق: كان ملك سليمان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فصار ملكهما ألف شهر؛ فجعل الله تعالى العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما. وقال ابن مسعود: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبِس السلاح في سبيل الله ألف شهر؛ فعجِب المسلمون من ذلك؛ فنزلت { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } الآية. { خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }، التي لبِس فيها الرجل سلاحه في سبيل الله. ونحوه عن ابن عباس. وهب بن منبه: إن ذلك الرجل كان مسلماً، وإن أمّه جعلته نذراً لله، وكان من قرية قوم يعبدون الأصنام، وكان سكن قريباً منها؛ فجعل يغزوهم وحده، ويقتل ويسبي ويجاهد، وكان لا يلقاهم إلا بِلَحيَيْ بعير، وكان إذا قاتلهم وقاتلوه وعطِش، انفجر له من اللَّحيين ماء عذب، فيشرب منه، وكان قد أُعطِي قوّة في البطش، لا يوجعه حديد ولا غيره: وكان اسمه شَمْسُون. وقال كعب الأحبار: كان رجلاً ملِكاً في بني إسرائيل، فعل خَصْلة واحدة، فأوحى الله إلى نَبِيّ زمانهم: قل لفلان يتمنى. فقال: يا رب أتمنى أن أجاهد بمالي وولدي ونفسي؛ فرزقه الله ألف ولد، فكان يجهز الولد بماله في عسكر، ويخرجه مجاهداً في سبيل الله، فيقوم شهراً ويقتل ذلك الولد، ثم يجهز آخر في عسكر، فكان كل ولد يقتل في الشهر، والملِك مع ذلك قائم الليلِ، صائم النهار؛ فقتِل الأَلْف وَلد في ألف شهر، ثم تقدم فقاتل فقتِل. فقال الناس: لا أحد يدرك منزلة هذا الملك؛ فأنزل الله تعالى: { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } من شهور ذلك الملك، في القيام والصيام والجهاد بالمال والنفسِ والأولاد في سبيل الله. وقال عليّ وعروة: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من بني إسرائيل، فقال: عَبَدوا الله ثمانينَ سنة، لم يَعصُوه طرفة عين؛ فذكر أيوب وزكرِيا، وحِزقيل بن العجوز ويُوشَع بن نون؛ فعجِب أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم من ذلك. فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيراً من ذلك؛ ثم قرأ: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }. فسُرّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم" . وقال مالك في الموطّأ من رواية ابن القاسم وغيره: سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمّته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر؛ فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر. وفي الترمذيّ عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي بني أمية على منبره، فساءه ذلك؛ فنزلت { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1]" ، يعني نهراً في الجنة. ونزلت { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يملكها بعدك بنو أمية. قال القاسم بن الفضل الحُدَّاني: فعدَدْناها، فإذا هي ألف شهر، لا تزيد يوماً، ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.