فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: { وَمَآ أُمِرُوۤاْ } أي وما أمِر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي ليوحدوه. واللام في «لِيعبدوا» بمعنى «أن»؛ كقوله:
{ { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [النساء: 26] أي أن يبين. و { { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [الصف: 8]. و { { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأنعام: 71]. وفي حرف عبد الله: «وما أُمِروا إلاَّ أَنْ يَعبدوا الله». { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي العبادة؛ ومنه قوله تعالى: { { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } [الزمر: 11]. وفي هذا دليل على وجُوب النية في العبادات؛ فإن الإخلاص مِن عمل القلب، وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره. الثانية: قوله تعالى: { حُنَفَآءَ } أي مائلين عن الأديان كلها، إلى دين الإسلام، وكان ابن عباس يقول: حُنفاء: على دِين إبراهيم عليه السلام. وقيل: الحَنِيف: من اختتن وحج؛ قاله سعيد بن جبير. قال أهل اللغة: وأصله أنه تَحَنَّفَ إلى الإسلام؛ أي مال إليه.
الثالثة: قوله تعالى: { وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي بحدودها في أوقاتها. { وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أي يُعطوها عند محلها. { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } أي ذلك الدين الذي أُمِروا به دين القَيِّمة؛ أي الدين المستقيم. وقال الزجاج: أي ذلك دِين المِلَّة المستقيمة. و«القَيِّمة»: نعت لموصوف محذوف. أو يقال: دِين الأمة القَيِّمة بالحق؛ أي القائمة بالحقّ. وفي حرف عبد الله «وذلك الدين القَيِّم». قال الخليل: «القَيِّمة» جمع القيم، والقيم والقائم: واحد. وقال الفراء: أضاف الدين إلى القيمة وهو نعته، لاختلاف اللفظين. وعنه أيضاً: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، ودخلت الهاء للمدح والمبالغة. وقيل: الهاء راجعة إلى الملة أو الشريعة. وقال محمد بن الأشعث الطالقانِي: «القَيِّمة» هاهنا: الكتب التي جرى ذكرها، والدين مضاف إليها.