التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
٧
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
-يونس

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً } أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو. وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي «الأنبياء» وفي «القصص» «ضئاء» بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين. { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } أي ذا نور أو سمي نوراً للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت، وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيراً بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها. { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل، أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منازله وإناطة أحكام الشرع به ولذلك علله بقوله: { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرفاتكم. { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } إلا ملتبساً بالحق مراعياً فيه مقتضى الحكمة البالغة. { يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص «يفصل» بالياء.

{ إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من أنواع الكائنات. { لأَيَاتٍ } على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته. { لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر.

{ إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها. { وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } من الآخرة لغفلتهم عنها. { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها، أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها. { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ } لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأساً والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلاً، وإما لتغاير الفريقين والمراد بالأولين من أنكر البعث ولم ير إلاَّ الحياة الدنيا وبالآخرين من أَلهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والاعداد له.

{ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أو لإدراك الحقائق كما قال عليه الصلاة والسلام "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" أو لما يريدونه في الجنة، ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإِيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله: { بِإِيمَانِهِمْ } على استقلال الإِيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له. { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير، وقوله: { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } خبر أو حال أخرى منه، أو من { ٱلأَنْهَـٰرَ } أو متعلق بـ { تَجْرِى } أو بيهدي.

{ دَعْوٰهُمْ فِيهَا } أي دعاؤهم. { سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ } اللهم إنا نسبحك تسبيحاً. { وَتَحِيَّتُهُمْ } ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحية الملائكة إياهم. { فِيهَا سَلاَمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ } وآخر دعائهم. { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي أن يقولوا ذلك، ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعالى فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإِكرام، و { أن } هي المخففة من الثقيلة وقد قرىء بها وبنصب { ٱلْحَمْدُ }.