التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ
١
مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
٢
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
٣
وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ
٤
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
٥
-الفلق

انوار التنزيل واسرار التأويل

مختلف فيها، وآيها خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقِ } ما يفلق عنه أي يفرق كالفرق فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإِيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل كالعيون والأمطار والنبات والأولاد، ويختص عرفاً بالصبح ولذلك فسر به. وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدل وحشة الليل بسرور النور ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإِشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه، ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى لأن الإِعاذة من المضار قريبة.

{ مِن شَرّ مَا خَلَقَ } خص عالم الخلق بالإستعاذة عنه لانحصار الشرفية، فإن عالم الأمر خير كله، وشره اختياري لازم ومتعد كالكفر والظلم، وطبيعي كإحراق النار وإهلاك السموم.

{ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ } ليل عظيم ظلامه من قوله: { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [الإسراء: 78] وأصله الامتلاء يقال غسقت العين إذا امتلأت دمعاً. وقيل السيلان و { غَسَقِ ٱلَّيْلِ } انصباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه. { إِذَا وَقَبَ } دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه لأن المضار فيه تكثر ويعسر الدفع، ولذلك قيل الليل أخفى للويل. وقيل المراد به القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف.

{ وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها، والنفث النفخ مع ريق وتخصيصه. "لما روي أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت المعوذتان" وأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بموضع السحر فأرسل علياً رضي الله تعالى عنه فجاء به فقرأهما عليه، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور، لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر. وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وإفرادها بالتعريف لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل غاسق وحاسد.

{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود بل يخص به لاغتمامه بسروره، وتخصيصه لأنه العمدة في إضرار الإِنسان بل الحيوان غيره، ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور وما يضاهيه كالقوى وبـ { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النباتات، فإن قواها النباتية من حيث أنها تزيد في طولها وعرضها وعمقها كانت تنفث في العقد الثلاثة، وبالحاسد الحيوان فإنه إنما يقصد غيره غالباً طمعاً فيما عنده، ولعل إفرادها من عالم الخلق لأنها الأسباب القريبة للمضرة.

عن النبي صلى الله عليه وسلم "لقد أنزلت عليَّ سورتان ما أنزل مثلهما وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوذتين" .