التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٦٦
وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦٨
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ
٧١
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ
٧٢
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
٧٣
-يوسف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ } إذ رأيت منكم ما رأيت. { حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مّنَ ٱللَّهِ } حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أي عهداً مؤكداً بذكر الله. { لَتَأْتُنَّنِى بِهِ } جواب القسم إذ المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتنني به. { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعاً وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال والتقدير: لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم، أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به، في تأويل النفي أي لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم: أقسمت بالله إلا فعلت، أي ما أطلب إلا فعلك. { فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ } عهدهم. { قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ } من طلب الموثق وإتيانه. { وَكِيلٌ } رقيب مطلع.

{ وَقَالَ يَا بَنِى لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ } لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك، فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا، ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ، أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين. وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته "اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" { وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } مما قضى عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر. { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك. { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب، فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم.

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } أي من أبواب متفرقة في البلد. { مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُمْ } رأي يعقوب واتباعهم له. { مّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } مما قضاه عليهم كما قال يعقوب عليه السلام. فسُرِقُوا وَأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعفت المصيبة على يعقوب. { إِلاَّ حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ } استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه، يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا. { قَضَاهَا } أظهرها ووصى بها. { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلَّمْنَاهُ } بالوحي ونصب الحجج، ولذلك قال { وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } ولم يغتر بتدبيره. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر.

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي: (أنه أضافهم فأجلسهم مثنى مثنى فبقي بنيامين وحيداً فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته ثم قال: لينزل كل اثنين منكم بيتاً وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك، قال: من يجد أخاً مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و { قَالَ إِنّى أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ } فلا تحزن افتعال من البؤس. { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في حقنا فيما مضى.

{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسّقَايَةَ } المشربة. { فِى رَحْلِ أَخِيهِ } قيل كانت مشربة جعلت صاعاً يكال به وقيل: كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة. وقيل من ذهب وقرىء و «جعل» على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا. { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ } نادى مناد. { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين. وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أئنكم لسارقون، والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تتردد، فقيل لأصحابها كقوله عليه الصلاة والسلام "يا خيل الله اركبي" وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير، ثم استعير لكل قافلة.

{ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } أي شيء ضاع منكم، والفقد غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه، وقرىء { تَفْقِدُونَ } من أفقدته إذا وجدته فقيداً.

{ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ } وقرىء «صاع» و «صوع» بالفتح والضم والعين والغين و «صواغ» من الصياغة. { وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } من الطعام جعلاً له. { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } كفيل أؤديه إلى من رده. وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل.

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ } قسم فيه معنى التعجب، التاء بدل من الباء مختصة باسم الله تعالى: { لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِينَ } استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد.