التفاسير

< >
عرض

فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٢٧
فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٨
وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ
٢٩
إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ
٣٠
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ
٣١
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣٢
وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ
٣٣
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ
٣٤
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ
٣٥
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ
٣٦
-المؤمنون

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } بحفظنا نحفظه أن تخطىء فيه أو يفسده عليك مفسد. { وَوَحْيِنَا } وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع. { فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } بالركوب أو نزول العذاب. { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ }.

روي أنه قيل لنوح إذا فار الماء من التنور اركب أنت ومن معك، فلما نبع الماء منه أخبرته امرأته فركب ومحله في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة. وقيل عين وردة من الشام وفيه وجوه أخر ذكرتها في «هود». { فَٱسْلُكْ فِيهَا } فادخل فيها يقال سلك فيه وسلك غيره قال تعالى { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } [المدثر: 42] مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } من كل أمتي الذكر والأنثى واحدين مزدوجين، وقرأ حفص «مِن كُلّ» بالتنوين أي من كل نوع زوجين واثنين تأكيد. { وَأَهْلَكَ } وأهل بيتك أو من آمن معك. { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } أي القول من الله تعالى بإهلاكه لكفره، وإنما جيء بعلى لأن السابق ضار كما جيء باللام حيث كان نافعاً في قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [الأنبياء: 101] { وَلاَ تُخَـٰطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالدعاء لهم بالإنجاء. { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } لا محالة لظلمهم بالإِشراك والمعاصي، ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف وقد أمره بالحمد على النجاة منهم بهلاكهم بقوله:

{ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } كقوله تعالى: { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }

[الأنعام: 45] { وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِي } في السفينة أو في الأرض. { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } يتسبب لمزيد الخير في الدارين على قراءة أبي بكر، وقرىء «مُنزَلاً» بمعنى إنزالاً أو موضع إنزال. { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } ثناء مطابق لدعائه أمره بأن يشفعه به مبالغة فيه وتوسلاً به إلى الإِجابة، وإنما أفرده بالأمر والمعلق به أن يستوي هو ومن معه إظهاراً لفضله وإشعاراً بأن في دعائه مندوحة عن دعائهم فإنه يحيط بهم.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } فيما فعل بنوح وقومه. { لاَيَاتٍ } يستدل بها ويعتبر أولو الاستبصار والاعتبار. { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم، أو ممتحنين عبادنا بهذه الآيات { وَإِنْ } هي المخففة واللام هي الفارقة.

{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ } هم عاد أو ثمود.

{ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } هو هود أو صالح، وإنما جعل القول موضع الإِرسال ليدل على أنه لم يأتهم من مكان غير مكانهم وإنما أوحي إليه وهو بين أظهرهم. { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تفسير لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله. { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } عذاب الله.

{ وَقَالَ ٱلْمَلَؤُاْ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لعله ذكر بالواو لأن كلامهم لم يتصل بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف قول قوم نوح حيث استؤنف به، فعلى تقدير سؤال. { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱلأَخِرَةِ } بلقاء ما فيها من الثواب والعقاب، أو بمعادهم إلى الحياة الثانية بالبعث { وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ } ونعمناهم { فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بكثرة الأموال والأولاد. { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } في الصِفة والحالة. { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } تقرير للمماثلة و «ما» خبرية والعائد إلى الثاني منصوب محذوف أو مجرور حذف مع الجار لدلالة ما قبله عليه.

{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ } فيما يأمركم به. { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } حيث أذللتم أنفسكم، و { إِذَا } جزاء للشرط وجواب للذين قَاوَلُوهُمْ من قومه.

{ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظـٰماً } مجردة عن اللحوم والأعصاب. { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } من الأجداث أو من العدم تارة أخرى إلى الوجود، و { أَنَّكُمْ } تكرير للأول أكد به لما طال الفصل بينه وبين خبره، أو أنكم لمخرجون مبتدأ خبره الظرف المقدم، أو فاعل للفعل المقدر جواباً للشرط والجملة خبر الأول أي: أنكم إخراجكم إذا متم، أو إنكم إذا متم وقع إخراجكم ويجوز أن يكون خبر الأول محذوفاً لدلالة خبر الثاني عليه لا أن يكون الظرف لأن اسمه جثة. { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } بعد التصديق أو الصحة. { لِمَا تُوعَدُونَ } أو بعدما توعدون، واللام للبيان كما في { { هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] كأنهم لما صوتوا بكلمة الاستبعاد قيل: فما له هذا الاستبعاد؟ قالوا { لِمَا تُوعَدُونَ }. وقيل { هَيْهَاتَ } بمعنى البعد، وهو مبتدأ خبره { لِمَا تُوعَدُونَ }، وقرىء بالفتح منوناً للتنكير، وبالضم منوناً على أنه جمع هيهة وغير منون تشبيهاً بقبل وبالكسر على الوجهين، وبالسكون على لفظ الوقف وبإبدال التاء هاء.